أعاد الموجودون الآن على رأس السلطة في العراق، صبيحة يوم عيد الأضحى، ارتكاب نفس خطأ رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين أثناء فترة وجوده على رأس السلطة، حين اتخذ من الانتقام والتشفي وانتهاك حرمات البشر منهجاً، ما دفع الكثيرين إلى المقارنة البغيضة بين عراق ما بعد صدام وما قبل سقوطه، بل وإلى مقارنة الفيديو كليب الخاص بإعدام صدام بما يفعله قسم الإنتاج الفني الخاص بتنظيم "القاعدة" حين يفاجئنا بمشاهد الذبح والقتل التي تثير اشمئزاز العالم. رغم الاختلاف حول قانونية محاكمة صدام، إلا أن الاتفاق كان شعار الجميع في توصيف توقيت الإعدام بأنه بالغ السوء وينم عن عقلية مذهبية لم تنضج سياسياً بعد؛ حيث بدا الأمر وكأنه متعمد لاستفزاز الطائفة السنية العراقية والتشفي بأحد رموزها السياسية. أثناء متابعتي لمقاطع إعدام صدام تذكرت السلوك البغيض الذي اتبعه الرئيس "المعدوم" في استفزاز الطوائف الأخرى، والمشكلة أن هذا السلوك الطائفي الذي يقوم به الشيعة الآن يلقى تأييداً كبيراً من الولايات المتحدة، حتى وإن أظهرت لنا واشنطن أنها عكس ذلك، أو ادعت أنها تسعى لتحرير العراق من سيطرة فكر سياسي "ديني" واحد على باقي الأفكار. الفاعلون يقولون إن تسريع الإعدام يراد منه استقرار العراق، لكن الواقع يؤكد أن هذه الخطوة قد عمقت الجراح الطائفية وصبت مزيداً من الملح على تلك الجراح المذهبية التي لم تندمل ولا يلوح في الأفق لها علاج. وعلى السطح أيضاً يبدو في إعدام صدام محاكمة عادلة تهدف إلى القضاء على الديكتاتوريين ونشر الديموقراطية والحرية ومحاربة الإرهاب... أما تحت السطح فنراها "تسيد" الفكر الشيعي واستغلال مقاليد السلطة للانتقام من أتباع الطائفة السنية دون مراعاة لشعورهم وكأن الانتقام من صدام هو انتقام من هذه الطائفة. كما يبدو على السطح، أن عملية إعدام صدام حسين ستعمل على تهدئة الوضع في العراق والتقليل من عمليات القتل اليومي والدفع بالعملية السياسية والمصالحة نحو الأمام، إلا أنه في الواقع، وكما يعلم الجميع، أن هذه الصورة لا تختلف أبداً عما كان يفعله صدام أثناء حكمه؛ فقد تسبب هو في تنامي حالة العداء بين الطوائف العراقية، واتخذ سياسة استفزاز الطوائف بانتهاك رموزها الدينية والسياسية بأشكال مختلفة؛ قتل، سجن، تشريد. إذا كان صدام قد استغل فترة رئاسته لإذكاء الطائفية في العراق، فالمشكلة أن إعدامه تم بطريقة فسرها البعض أن الطائفة الشيعية تستغل المرحلة لصالحها، ليس في العراق فقط بل في المنطقة بأكملها، ما استفز معه مشاعر الكثيرين في العالم العربي الذين كانوا أكثر استعداداً لقبول إعدام صدام، إلا أن الأمر بذلك التوقيت ساهم في إعادة الخوف من إعادة سيطرة الفكر "الصدامي" الطائفي ومن أن ينتقل إلى الطائفة الشيعية التي عانت في عهد صدام، وأن تسود هذه الطائفة بفكرها الانتقامي هذا المنطقة بأكملها. ما تم صبيحة يوم عيد الأضحى، يساعد على خلق جيل كامل في المنطقة متعاطف مع النظام العراقي السابق، فقد أدت عملية إعدام صدام بتلك الطريقة وفي ذاك التوقيت، وبالحضور الذي اقتصر على الشيعة، وبالكلمات التي سمعت من المقاطع التي تم بثها، إلى أن يتعاطف أغلب السنة مع صدام، وليس مع الذين قاموا بتطبيق "العدالة"؛ سواء الأميركان أو الشيعة... فلم يعد أحد يستطيع الدفاع عن السياسة الأميركية والقول بأنها لا تعمل على إذكاء الطائفية في العراق، أو يقول بأن ساسة العراق الجدد ذوو بصيرة سياسية وحريصون على مستقبل البلاد. يحتاج المراقب فقط إلى القيام برصد القليل مما يراه طافياً على السطح في العراق أو في المنطقة، كي يدرك أن هناك بروزا لفكر سياسي طائفي على حساب فكر آخر، وأن الولايات المتحدة تعمل على مساعدة الشيعة ضد السنة بطريقة لا يمكن وصفها إلا بأنها تفتقد إلى الذكاء في التعامل. على الأميركان أن يركزوا على التخلص من كل ما هو طائفي في العراق، إن أرادوا الاستقرار، وإلا فإنهم يساهمون الآن في خلق خلل طائفي كبير لا يختلف كثيراً عما كان يفعله صدام حسين.