بلغ عدد سكان الولايات المتحدة مؤخراً نحو 300 مليون نسمة، حسب "مكتب الإحصاء"؛ ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 400 مليون نسمة لأسباب عدة، في مقدمتها الهجرة. ويعني وجود مزيد من الأشخاص ضغطاً كبيراً على البيئة، يوازيه ضغط كبير محتمل على الاقتصاد. وعليه، فيجوز التساؤل: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستوعب مزيداً من السكان مع الحفاظ في الوقت نفسه على جودة نمط حياتها، وذلك في ظل ما يبدو عجزاً سياسياً عن وقف القوة العارمة للهجرة؟ الواقع أن الحل يكمن في زيادة "القدرة الاستيعابية" لأرضنا، والمقصود بذلك عدد السكان الذي يمكن لمنطقة جغرافية معينة أن تستوعبه. فخلافاً للحيوانات، يتميز البشر بقدرتهم على زيادة القدرة الاستيعابية للأرض التي يعيشون عليها، وهو أمر يتطلب استخراج وتعديل وتوزيع موارد الأرض على نطاق واسع. ولما كانت المجتمعات الصناعية تستطيع إنتاج مزيد من البضائع والخدمات، فهي قادرة على أن تستوعب تجمعات سكانية أكثر كثافة بعدة مرات مقارنة مع سكان المجتمعات البدائية أو الزراعية. ورغم أن للبشر قدرة استثنائية على تحويل المواد الخام حفاظاً على عددهم، فإن هذه العملية لا تكون سريعة أحياناً بما يكفي لمواكبة النمو السكاني السريع. فإذا كان عدد سكان الولايات المتحدة يزداد بشكل أسرع من كمية البضائع والخدمات المنتجَة والموزَّعة، فمما لا شك فيه أن مستوى عيش الأميركيين مصيره الانخفاض. وبالتالي يتعين على البلاد أن تنتج المزيد لتأمين الطعام واللباس والمسكن (من بين أمور أخرى) للعدد المتزايد من سكانها. أما ما نحتاجه لبلوغ هذا الهدف، فيمكن تقسيمه إلى ثلاث نقاط رئيسية: تكنولوجيا أفضل، وتعليم أفضل، وتجارة أفضل. ذلك أن تبني تكنولوجيا أكثر تطوراً يُمكّن مزارعنا ومصانعنا ومناجمنا ومختبراتنا وشبكات التوزيع وقطاع الخدمات... من أن تكون أكثر فعالية، وتنتج أكثر في عدد ساعات أقل من العمل. إلا أن الناس يحتاجون إلى حوافز لتبني التكنولوجيا الجديدة، وإنشاء منشآت إنتاج جديدة، كما أنه أمر يقتضي سياسات اقتصادية مؤيدة للسوق. والواقع أن فرض بعض القوانين أمر جيد، إلا أن الكثير منها يثبط الإنتاج، مثلما أن بعض الضرائب تعد ضرورية، غير أن فرض ضرائب عالية تجعل الناس يحجمون عن إنتاج المزيد لأنهم يُحرَمون من ثمار إنتاجهم. يتطلب استعمال التكنولوجيا بشكل أكبر في مكان العمل، قوة عاملة يفترض أن تكون معلَّمة تعليماً جيداً. ولحسن الحظ فإنه صار من السهل اليوم أن يتلقى المرء التعليم بفضل برامج التعليم عن بعد، وأقراص "الدي في دي" التدريبية، والمعلومات الغزيرة المتاحة في شبكة الإنترنت؛ غير أن التعليم العمومي التقليدي يحتاج إلى هزة؛ ذلك أن ضخ مزيد من المال في النظام التعليمي لا يكفي لوحده. وبالتالي، فما نحتاجه في واقع الأمر هي حوافز تجعل المعلمين والإداريين يوفرون منتوجاً عالي الجودة؛ ولعل إحدى طرق تحقيق ذلك تتمثل في إدخال المنافسة إلى النظام المدرسي. كما أن ثمة حاجة إلى تخفيض الضغط على شبكات النقل والتوزيع ضماناً لإيصال البضائع والخدمات إلى الناس، وهو ما يعني تجارة حرة. يمكن للناس في المجتمعات البدائية، أو حتى الزراعية، أن يحققوا الاكتفاء الذاتي، غير أن الأمر مختلف في المجتمعات الصناعية التي تتطلب مهارات وطرق إنتاج متخصصة، حيث يعتمد المواطنون الأميركيون كثيراً على أشخاص آخرين ومناطق جغرافية أخرى لتوفير أمور كثيرة يحتاجونها في حياتهم اليومية. ويقتضي توفير ما يحتاجه السكان استيراد بضائع من الخارج، إلا أن التعريفات الجمركية وغيرها من العراقيل تمنع الكثير من الموارد من دخول البلاد (وخروجها). وبالتالي، فتقليل هذه العراقيل أساسي وضروي لتوفير ما تحتاجه الملايين المقبلة من الأشخاص الإضافيين. ومما لا شك فيه أن مزيداً من السكان يعني إلحاق الضرر بالبيئة، سواء من حيث التلوث أو استنفاد الموارد؛ ذلك أن المزيد من الناس يعني بالضرورة مزيداً من المباني والسيارات والمواقف المزدحمة، ومزيداً من المناجم والمصانع، ومزيداً من النفايات. وبطبيعة الحال تستطيع بعض القوانين ضمان تحسين البيئة وحمايتها، أو على الأقل التخفيف من تأثير المزيد من الأشخاص على البيئة (مثل قوانين التعمير، وضرورة تخصيص المساحات الخضراء في المناطق الحضرية، والقوانين التي تحد من التلوث). إلا أنه على المرء ألا يكون حذراً في هذا الباب لأن من شأن المبالغة في فرض القوانين الحد من قدرتنا الاستيعابية عن طريق خلق مثبطات تَحول دون إنتاج مزيد من البضائع والخدمات. وعليه، يمكن القول إن الحل الأمثل يكمن في إيجاد التوازن الأنسب بين القوانين البيئية والسياسات المؤيدة للتجارة. ورغم أن الحديث في هذا المقام هو عن النمو السكاني، إلا أنه ليس من قبيل الصدف أن تبدو النقاط المشار إليها أعلاه كعريضة لنظام رأسمالي يقوم على السوق الحرة. والواقع أن النظام الاقتصادي الوحيد الذي يضمن زيادة القدرة الاستيعابية لأرضنا هو الرأسمالية لأنها توفر الحوافز لإنتاج الطعام واللباس والمسكن وغيرها من البضائع والخدمات الضرورية التي تتيح لسكان المجتمعات عالية الكثافة إمكانية التمتع بنمط عيش كريم. إن عرقلة الرأسمالية عن طريق فرض الكثير من الضرائب والقوانين والعراقيل التي تحد من حرية التجارة، تعيق الإنتاج وتداول الأشياء التي نحتاجها في عيشنا. وبالنظر إلى الازدياد المتواصل لسكان الولايات المتحدة، فإن ذلك أمر لا يمكننا أن نقبل به. باتريك كيشولم كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"