إن دولة الإمارات، التي تحتل المرتبة الأولى بين البلدان العربية، من حيث توظيف التقنية الرقمية ومستوى الجاهزية الإلكترونية، ما زالت تخطو خطوات كبيرة باتجاه التحوّل كلية إلى مجتمع يستخدم تقنية المعلومات والاتصالات على أوسع نطاق، وبفعالية عالية. وفي إطار سعيها إلى تقديم حكومة إلكترونية عالمية المستوى، أنجزت لجنة أبوظبي للنظم والمعلومات المنبثقة عن المجلس التنفيذي في إمارة أبوظبي، مؤخراً، وضع المعايير والتصاميم الخاصة بنظم تكنولوجيا المعلومات المطبقة في المؤسسات الحكومية بأبوظبي تمهيداً لإطلاق برنامج "الحكومة الإلكترونية" في الإمارة. إن الهدف من وضع تلك المعايير يتمثل في تقديم توجيهاتٍ وأسسٍ فنيةٍ واضحة لتأمين انسجام أنظمة التشغيل وتطبيقات "تكنولوجيا المعلومات" لدى الجهات الحكومية جميعها، والتي بدورها ستنعكس إيجاباً على جودة ونوعية الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور، كما أن طرح هذه المعايير يحسّن عملية توزيع الموارد وتقديم الخدمات ويساعد على تجنب مضاعفة وازدواجية البنى التحتية لـ"تكنولوجيا المعلومات"، وتمنع استخدام التقنيات التي لا تتصف بالمرونة الكافية أو غير القابلة للتحديث. كل ذلك يبدو مطلباً أساسياً لتدعيم ركائز "الحكومة الإلكترونية" وترسيخ المكانة العالمية التي تحتلها دولة الإمارات على مستوى الجاهزية الإلكترونية، إلا أن هذه الجهود يجب ألا تلفت النظر عن ضرورة إيجاد بيئة جماهيرية ترقى إلى هذه الطموحات، إذ أن ضعف الاستخدام الإلكتروني من جمهور المتعاملين مع المؤسسات الحكومية، التي هي بدورها تعاني تدنياً متفاوتاً في مستوى الوعي الإلكتروني، يشكل التحدي الرئيسي أمام هذه الحكومة المرتقبة. وتشير تجارب الحكومات الإلكترونية في بعض الدول النامية، إلى أن التحدي الأكبر لهذه التجارب تمثّل في العمل على زيادة عدد المستخدمين، إذ ليس هناك معنى للسعي نحو تقديم كل الخدمات الحكومية إلكترونياً بأجود ما يكون في حين يستخدمها عدد محدود من العملاء، وهو ما يحتم ضرورة مواجهة هذا التحدي من خلال نشر الوعي والفكر الإلكتروني في المجتمع بصورة أكبر مما هو عليه الآن، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من أجل تحقيق نقلة جديدة في الاستخدام الإلكتروني، وأن تتسع دائرة الاهتمام بالفكر الإلكتروني من خلال دور الإعلام والوصول إلى المدارس والجامعات والمؤسسات والدوائر الحكومية والشركات، على أن تواكب ذلك تحركات تشريعية وقانونية شاملة تعمل على سدِّ ثغرات التعامل الإلكتروني القائمة كافة، حالياً، ومن ثم توفير البيئة الإلكترونية الآمنة للقيام بالمعاملات المالية أو الخدمية؛ كالحصول على التأشيرات والتراخيص ودفع الفواتير واستخراج الشهادات الثبوتية وتسجيل ملكية العقارات والسيارات وغيرها. كما أن هناك شحاً في الكفاءات البشرية التي ستدير دفة الحكومة الإلكترونية في المستقبل، حيث ما زالت هناك فجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم، وهنا يأتي دور التعليم الإلكتروني ودور المؤسسات الخاصة المعنية بالتدريب والتأهيل في بناء المهارات المطلوبة وإعداد الكوادر المواطنة لإدارة هذه الحكومة في المرحلة الجديدة. كما أن لجنة أبوظبي للنظم والمعلومات مطالبة بالاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في تطبيق مفهوم "الحكومة الإلكترونية" للأخذ بأسباب النجاح وتلافي عوامل الفشل والمخاطر المترتبة على ذلك، مع تأكيد عدم الاستيراد والتطبيق الحرفي للمفاهيم والمنهجيات المختلفة لهذه التجارب، وتطويع هذه التجارب للتلاؤم مع الثقافة المحلية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.