يوماً بعد يوم يتضاءل تأييد الأميركيين بشكل متزايد لسياسة التجارة الحرة التي تنتهجها حكومتنا؛ فهم يرون تقلص الطبقة الوسطى، وفقدان الوظائف، وارتفاع العجز التجاري. إلا أنه بالرغم من ذلك، يستمر مؤيدو التجارة الحرة في الدفع في اتجاه المزيد من اتفاقيات التجارة التي تقتل الوظائف، والمزيد من الإعفاءات الجبائية لفائدة الشركات الكبرى التي تصدِّر الوظائف، والمزيد من المحفزات الحكومية التي تشجع على تفويض عقد العمل لشركات في الخارج. لقد عبّر الناخبون في كافة أرجاء البلاد الأسبوع الماضي عن رغبتهم في شيء مختلف جداً؛ حيث صوتوا على مرشحين يدافعون عن الطبقة الوسطى ويدعون إلى تجارة عادلة. وإذا فعلوا ذلك، فلأنهم يدركون الأمور المهددة بالزوال. فخلال السنوات المئة الماضية، كان عمل الأطفال أمراً شائعاً؛ وكثيراً ما كانت ظروف العمل مُزرية؛ حيث لم تكن ثمة ضوابط بخصوص صحة وسلامة مكان العمل. كما لم يكن ثمة تأمين على البطالة، ولا تعويضات للعمال. وكان العمال يتعرضون للهجوم والقتل لا لشيء سوى لأنهم أرادوا تأسيس نقابة تدافع عن حقوقهم. ولم تكن هناك الأربعون ساعة عمل القانونية في الأسبوع؛ كما لم يكن ثمة حد أدنى للأجور، ولا أمان وظيفي، ولا تعويض على ساعات العمل الإضافية، ولا ضوابط قانونية ضد استغلال العمال؛ فكانت أميركا مقسمة بين الفقراء والأغنياء. لقد كان عالمَ عملٍ قاسياً وسيئاً ووحشياً بالنسبة للكثيرين. غير أن نضال العمال والقوانين الجديدة وقرارات المحاكم غيّرت كل هذه الأمور خلال القرن المنصرم؛ وفي غضون ذلك، نمت طبقة وسطى وازدهرت. وبحلول منتصف القرن، أصبحت هذه الطبقة محرك اقتصاد قومياً ما انفك ينمو ويتطور، اقتُسمت مزاياه بين عشرات الملايين من الأميركيين. وبدا أن "الحلم الأميركي" المتمثل في وظيفة آمنة ومجزية ومنزل وتعليم عمومي عالي الجودة بات في متناول كل من يعمل بجد ويحترم القوانين. والواقع أنها بالضبط الأمور المهددة اليوم بالزوال حين نتحدث عن السياسة التجارية؛ إنها الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة و"الحلم الأميركي". تجعل الحركية الجديدة لرأس المال والتكنولوجيا، إضافة إلى الثورة في تكنولوجيا المعلومات، إنتاج البضائع أمراً ممكناً في مناطق كثيرة من العالم. غير أن هذه المناطق الكثيرة من العالم في بداية القرن الحادي والعشرين تشبه كثيراً واقع الولايات المتحدة قبل مئة عام خلت؛ حيث يتقاضى العمال أجوراً زهيدة، ويتعرضون للاستغلال والتعسف؛ ويفتقرون تقريباً إلى كل الحقوق. كما يعمل الكثير منهم، بمن فيهم الأطفال، 10 و12 و14 ساعة في اليوم، ستة أو سبعة أيام في الأسبوع، مقابل بضع دولارات في اليوم. أما النتيجة، فكانت سباقاً عالمياً تجوب فيه الشركات العالم بحثاً عن العمالة الأرخص، والضوابط القانونية الأبسط فيما يتعلق بالصحة والسلامة والبيئة، وأكثر الحكومات إجحافاً في حق العمالة. والواقع أن الاتفاقيات التجارية الأميركية عبَّدت الطريق لهذا السباق؛ ذلك أنها في الوقت الذي رفضت فيه حماية العمال أو البيئة، وفرت الحماية لمصالح المستثمرين والشركات. فكان من نتائج اتفاقيات التجارة هذه عجز تجاري كبير، أزيد من 800 مليار دولار هذا العام، وضغوط كبيرة على دخل العمال الأميركيين والمزايا التي يحصلون عليها. لماذا؟ لأن هذه الاتفاقيات تُمكن البلدان من تصدير ما تنتجه عمالتها الرخيصة إلى الولايات المتحدة في حين تقوم بعرقلة أو منع دخول الكثير من المنتجات الأميركية إلى بلدانها. وبالسماح بهذا النوع من التجارة، تجبر الاتفاقيات العمال الأميركيين على قبول خصومات في الأجور والمزايا التي يحصلون عليها عادة حتى يستطيع مشغلوهم التنافس مع المنتجين الأجانب الذين يدفعون أجوراً زهيدة لعمالهم. والواقع أن هؤلاء العمال هم الأكثر حظاً؛ ذلك أن ملايين العمال الآخرين فقدوا وظائفهم بسبب انتقال الشركات إلى الخارج قصد إنتاج المنتجات نفسها بتكلفة أقل نظراً لرخص العمالة الأجنبية. وعليه، فلا غرابة أن تشكل الرواتب والأجور اليوم أقل نسبة في الناتج الداخلي الخام منذ أن بدأت الحكومة توثيق هذه الأرقام في 1947. لقد تطلب بناء طبقة وسطى مزدهرة وتحقيق أمن اقتصادي هنا في أميركا قرناً من الزمن. ولذلك، فعلينا اليوم أن نحمي ما قدمنا تضحيات غالية من أجله. علينا أن نشدد على ضرورة أن تكون لجميع الاتفاقيات التجارية ضوابط قانونية تخص العمالة والبيئة وغيرهما حتى يمكن للعمال الأميركيين أن ينافسوا غيرهم على قدَم المساواة. كما ينبغي أن تكون اتفاقيات التجارة سارية على الطرفين؛ فالسوق الأميركية هي الأكثر جاذبية في العالم، وكل بلد يرغب في الوصول إليها، وهو ما يمنحنا قدراً من القوة؛ ويا ليتنا نعرف كيفية استعمالها! وبالتالي، فلا ينبغي قبول الحواجز أمام المنتجات الأميركية في الخارج. لقد حمت اتفاقيات التجارة الحُرة شركات الأدوية والمستثمرين الدوليين وأفلام هوليود؛ ولكنها فشلت بالمقابل في حماية مجتمعنا وعمالنا وبيئتنا. إننا نعتقد أن ثمة طريقة أفضل؛ فالتجارة العادلة ليست عدو المزيد من التجارة، ولكنها تعني الكيفية التي يمكن بها تطوير التجارة الدولية بدون المساس بالتقدم الاقتصادي الأميركي. شيرود براون ــــــــــــــــــــ سيناتور "ديمقراطي" من أوهايو ـــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"