غالباً ما تستخدم التقارير التي تتطرق إلى جهود إدارة الرئيس بوش لصياغة استراتيجية جديدة في العراق عبارة "الزيادة"، لكنها نادراً ما تتجشم عناء توضيح المعنى، أو تحديد المقصود، بتلك العبارة. فالتقديرات تشير إلى أن عدد القوات الأميركية التي سيتم إرسالها إلى بغداد تتراوح بين 10 آلاف جندي و30 ألفاً. وبينما تشير بعض التقديرات إلى أن فترة الانتشار ستمتد على مدى شهور طويلة، يشير البعض الآخر إلى أنها لن تتعدى الشهور القليلة. والحال أنه يتوجب علينا حسم هذا الخلاف وجلاء الغموض الذي يلف المسألة، ذلك أن إحلال الأمن في بغداد -الشرط الذي لابد من توفره قبل التفكير في أية تسوية سياسية، أو مصالحة وطنية ونهوض اقتصادي- لن يكون ممكناً إلا بزيادة في عدد القوات الأميركية، تصل إلى 30 ألف جندي على الأقل، وبفترة زمنية تمتد على مدى 18 شهراً. وما عدا ذلك من الخيارات المطروحة سيكون مآله الفشل. ولضمان النجاح في بغداد لابد من تغيير المهمة العسكرية كلياً، فبدلاً من الاستعداد لنقل المسؤولية الأمنية إلى العراقيين علينا التركيز على حماية السكان بالدرجة الأولى. أما تلك الزيادة التي يتم الحديث عنها لتدريب القوات العراقية، فإنها لن تنجح، لأن العنف الطائفي المتنامي سيدمر العراق حتى قبل أن تتمكن القوات العراقية من بسط سيطرتها على البلاد. وبالطبع نحن لا نقصي المبادرات الأخرى التي تترافق مع الزيادة في عدد القوات مثل تكثيف الجهود الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، والدفع بالمصالحة الوطنية لتحقيق أغراضها، لكن تلك المبادرات لن تكون قادرة لوحدها على فرض الأمن وإرساء الاستقرار. لذا فإن النجاح في العراق اليوم يستدعي خطة عسكرية حكيمة تهدف إلى توفير الأمن والحماية لأهالي بغداد تحديداً في أسرع وقت ممكن. ومن بين جميع الاقتراحات المرتبطة بطبيعة "الزيادة"، تعتبر تلك التي تدافع عن نشر القوات لفترة قصيرة هي الأخطر بينها جميعاً. فالزيادة في الجنود الأميركيين لمدة تتراوح بين ثلاثة، أو ستة أشهر فقط، ستكون سبباً كافياً لهزيمتنا. فتلك المدة القصيرة بالكاد تتيح للجنود الجدد التأقلم مع الميدان والبدء في العمل بفعالية. والأكثر من ذلك سيخدم نشر قواتنا في بغداد لفترة قصيرة مصالح المتمردين السُّنة والميلشيات الشيعية الذين يعولون على أن مجيء المزيد من القوات الأميركية سيكون قصيراً ولن نتلبث أن ترحل حسب تقديرهم. ولهذا السبب، فهم سيتوارون عن الأنظار في المخابئ في انتظار انسحابنا ليستأنفوا استهداف ما سيتبقى من القوات العراقية، والمدنيين العزل. وسيعملون بالإضافة إلى ذلك على الرفع من وتيرة الصراع الطائفي ليثبتوا فشل جهودنا في العراق. وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها المتمردون والميليشيات لهذا التكتيك ما يجعلنا متأكدين من أنهم سيعيدون الكرة مرة أخرى إذا ما اقتصر الرفع في عدد قواتنا على فترة وجيزة. والحل الوحيد هو أن نبقي قواتنا مرابطة في بغداد ما يكفي من الوقت لاستئصال العدو من مخبئه، أو للقضاء عليه عندما يخرج إلى العلن. والزيادة في القوات على امتداد 18 شهراً على الأقل ستكون قادرة برأينا على بلوغ الهدف المرسوم. لكن بالإضافة إلى الفترة الزمنية هناك أيضاً العدد الذي يتعين إرساله إلى بغداد لحماية الأهالي. فمدينة شاسعة مثل بغداد لا يمكن التحكم فيها أمنياً دون تقسيمها إلى قطاعات مختلفة يشرف على كل واحد منها عدد كافٍ من القوات. وإذا كانت التجارب السابقة في بغداد قد أظهرت فشل عمليات "تطهير" الأحياء التي قامت بها القوات العراقية بإسناد أميركي، فذلك لأننا لم نبقَ في الأحياء بعد تطهيرها. فأي خطة ترمي إلى إحلال الأمن في بغداد لابد من أن تمر عبر مرحلتين: التطهير ثم البقاء. وحتى نتمكن من تطهير الأحياء المختلطة بين السُّنة والشيعية والبقاء فيها لابد من نشر تسعة ألوية عسكرية أميركية في محيط المدينة، وهو ما يعني إضافة أربعة ألوية إلى الأربعة الموجودة سلفاً. ولا يخفى على أحد أن المتمردين يتوفرون على قواعد في محافظة الأنبار تتيح لهم الإغارة على بغداد ثم الانسحاب السريع، لذلك لابد من التعامل مع تلك القواعد لتأمين بغداد عبر نشر فوجين إضافيين من قوات مشاة البحرية هناك. ـــــــــــــــــــــــ زميل مقيم في معهد "أميركان إنتربرايز" ــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"