بعد أيام قليلة، وفي التاسع من الشهر الجاري تحديداً، تلتئم القمة السابعة والعشرون لمجلس التعاون الخليجي بالعاصمة السعودية الرياض وسط جدول أعمال مزدحم بالكثير من القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية. منطقة الخليج والشرق الأوسط حبلى بتطورات مثيرة وسريعة، ربما تؤدي إلى حدوث المزيد من الخلل في ميزان القوى الإقليمي. ما يهمنا هنا هو تلك القضايا المتعلقة بالهم الاقتصادي، والتي يوليها المسؤولون والمواطنون على حد سواء الكثير من الاهتمام والمتابعة، علماً بأنها الأقل حظاً أثناء عملية التطبيق، إذ أن العديد من القرارات الاقتصادية المهمة التي اعتُمدت من المجلس الأعلى لمجلس التعاون تعرقلت بسبب عدم قدرة الأجهزة المعنية في التعامل معها أثناء التطبيق العملي. وبما أن هذه القرارات تشكل سلسلة مترابطة، فإن التباطؤ في تنفيذ أحد القرارات الاقتصادية يؤدي بصورة فورية إلى إعاقة تطبيق قرارات أخرى، وإذا ما أخذنا العقبات التي تعترض استكمال مراحل الاتحاد الجمركي كمثال، فإننا سنجد أن الإجراءات المتبعة في الوقت الحاضر لا تشجع على إيجاد السوق الخليجية المشتركة والمزمع إطلاقها في عام 2007. بدوره، فإن الاتحاد الجمركي يعاني من عدم الالتزام بمنطقة التجارة الخليجية الحرة، والتي مضى على الأخذ بها أكثر من عقديين من الزمن، إذ لا تزال مراكز الجمارك بالدول الأعضاء تطالب بشهادات المنشأ، وذلك على الرغم من وجود علامات تجارية معروفة، تؤكد حصول السلعة المصدرة من بلد خليجي إلى بلد آخر على كافة متطلبات المنتج الوطني. عدم استكمال تنفيذ القرارات السابقة ساهم ويساهم في تأجيل الأخذ بتوصيات أخرى لا تقل أهمية، كإصدار العملة الخليجية الموحدة في عام 2010 والبدء في توحيد السياسات الاقتصادية تمهيداً لإيجاد اتحاد اقتصادي تندمج من خلاله الأسواق الخليجية في سوق خليجية واحدة كبيرة وقادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية في عصر العولمة. في هذا الصدد يقول وزير الاقتصاد العُماني في مذكرته للأمانة العامة لدول المجلس: "فيما يتعلق بالعوائق التي تواجه تطبيق بعض القرارات ذات الصلة بالسوق المشتركة، والتي هي مرحلة تسبق مرحلة التكامل النقدي وإصدار العملة الموحدة، فإنها تتمثل في عدم الالتزام بتنفيذ قرارات المجلس الأعلى ذات العلاقة بالمعاملة الوطنية". لذلك دعونا نتساءل هل المطلوب إصدار قرارات اقتصادية جديدة من قبل الدورة الحالية للمجلس أم الوقوف أمام العراقيل التي تعيق تنفيذ القرارات السابقة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل عمليات وآليات التنفيذ، بما في ذلك تأهيل الإدارات المعنية في مختلف الدوائر والمؤسسات الخليجية؟ العمل بهذا الاتجاه ربما يمهد الطريق أمام تنفيذ القرارات الكبيرة والمهمة القادمة، وبالأخص إصدار العملة الخليجية الموحدة ، التي لا زالت التصريحات تتوالى عن إمكانية تأجيل عملية إطلاقها في الموعد المحدد في عام 2010. نقول ذلك خوفاً من أن تتداخل المعوقات والتأجيلات بحيث يصعب التعامل معها في المستقبل، ما قد ينعكس بصورة سلبية على مجمل التعاون الاقتصادي الخليجي، فالقرارات التي تنفذ جزئياً أو لا يتم تنفيذها تشكل عقبة كبيرة أمام ما يتبعها من قرارات تصب لمصلحة كافة البلدان الأعضاء في المجلس وتساهم في زيادة وتائر النمو الاقتصادي فيها. لنا في ذلك تجربة حية ممثلة في جامعة الدول العربية، والتي اتخذت منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى الآن عشرات القرارات الاقتصادية، بما فيها القرار الخاص بالسوق العربية المشتركة والمتخذ في عام 1964، والذي لم يرَ النور بعد مضي أكثر من أربعة عقود على اتخاذه. ربما يكون مجلس التعاون صورة مختلفة، وذلك من خلال الإنجازات التي حققها في السنوات الماضية، والتي ساهمت في تعزيز مسيرة المجلس، إلا أن هناك تشابهاً كبيراً بين آلية تنفيذ القرارات في المؤسسات العربية، إذ ربما يكون ذلك ناجماً عن الثقافة الإدارية في العالم العربي والعالم النامي إجمالاً والتي لا تنتمي إلى المدارس الإدارية الديناميكية والأقل مركزية في تطبيق القرارات. المواطن الخليجي يتطلع بأمل وتفاؤل للدورة الحالية لمجلس التعاون، ويتمنى أن تضيف القرارات المزمع اتخاذها لبنة جديدة للبناء الخليجي المتنامي، الذي يؤسس لتكتل خليجي قوي، ربما يضم في المستقبل بلداناً عربية أخرى. د. محمد العسومي