من المهم جداً للسودان ولأشقائه وجيرانه في الدول العربية والأفريقية أن تسير عملية السلام وإعادة الاستقرار والأمن والتنمية العادلة في الجنوب، بنجاح وتوفيق يصل بها إلى غاياتها الكبرى المرجوة، أن تكون وحدة الوطن السوداني الطوعية هي خاتمة المطاف لعقود من الزمن عانى وقاسى فيها الشعب السوداني ويلات الحروب الأهلية التي تجاوزت خسائر السودانيين فيها كل ما يُنشر وُيذاع من أرقام. فالخسارة التي فاقت وتجاوزت الخسائر في الأنفس والأموال هي تفكك النسيج الوطني وتجذر الشك وانعدام الثقة بين الجنوبيين وإخوانهم الشماليين بصورة غير مسبوقة. لذلك فإن أهم وأخطر مهمات هذه المرحلة الانتقالية هي ردم هذه الهوة العميقة واستعادة الثقة المفقودة وغرس بذور الاطمئنان المتبادل بين السودانيين بأن مستقبلاً واعداً ينتظرهم، وأن العهود والوعود والاتفاقيات الدولية وغيرها لن تحقق الوحدة- الأمل المرجو، إذا لم يكن سعيهم في الشمال والجنوب من أجلها وتضحياتهم المتبادلة هي الأساس الذي ستبنى عليه وحدة وطنهم الذي لا يميز بينهم ولا يفرق بينهم فيه العرق أو العقيدة أو الإقليم الجغرافي. ونجاح مسيرة السلام السودانية مهم جداً لأشقاء السودان وجيرانه من الدول العربية والأفريقية، لأنه سيقدم النموذج الحي والمثال الناصع لمعنى شعار التضامن العربي- الأفريقي الذي تغنى به المغنون طويلاً مصحوباً بمعنى أن السودان هو الجسر الرابط بين العالم العربي وأفريقيا، وأن الأمر لا يجب أن يقف عند حدود تشييد الجسور، ولكن يجب أن يمتد إلى حياة الناس الواقعية ليلمسوا عن بينة أن التضامن الأخوي ممكن أن يتحول إلى مشروعات تدفع بعجلة التنمية والتقدم في جنوبي السودان من دون منٍّ ولا أذى لتعود نتائجها إلى المواطن في جنوب البلاد في شكل خدمات ضرورية هو في أمسِّ الحاجة إليها، وهي في الوقت حق مشروع له. لذلك، فإن زيارة الفريق "سيلفا كير" النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب التي تمت خلال الآونة الأخيرة إلى القاهرة، قد جاءت محققة لبعض الآمال التي يؤملها الحادبون على السودان وعلى علاقات السودان العربية عامة والمصرية، خاصة في زمان قل فيه الأصدقاء المخلصون. فإلى جانب ما حققته الزيارة المبشرة بالخير من لقاءات وتفاهمات سياسية وما أسست له من علاقات بين قمتي السلطة في السودان ومصر، فإن ما نتج عنها من مشروعات وأولها وأهمها ما التزمت به الشقيقة مصر من إنشاء محطات كهربائية في عدد من مدن الجنوب، وما التزمت به من دعم وتوسيع لمشروعات التعليم -الذي ظلت مصر على الدوام حريصة عليه في السودان كله– في الجنوب هو خطوة موفقة على الطريق الصحيح الذي سيؤدي -لو أحسن القائمون على الأمر السير عليه- إلى جعل شعار الوحدة الطوعية الشعار الراجح والناجح. تاريخ ومسار العلاقات المصرية- السودانية زاخر بالمواقف الإيجابية، التي تعكس اهتمام مصر التاريخي بذلك الجزء من الوطن السوداني. ومصر، وفي مختلف عهودها، وبخاصة بدءاً من ثورة 23 يوليو، ظلت تحفظ وتحافظ على علاقات طيبة ومتميزة بالقيادات السياسية الجنوبية، وظلت تفتح أبواب معاهدها التعليمية بسخاء وكرم وفهم موضوعي لأبناء الجنوب. وإذا أحصى المرء اليوم عدد الخريجين من أبناء الجنوب، الذين تلقوا تعليمهم العالي في مصر خلال العقود الأربعة الماضية، فسيجد أنه يتجاوز وبمراحل عدد نظرائهم الذين تلقوا تعليمهم العالي في وطنهم السودان. ولكن لهذا الحديث ربما فرصة ومكان آخر. أذكر ذات صباح في القاهرة التي كان الزعيم الراحل جون قرنق يزورها لأول مرة زيارة رسمية، أنه كان يتحدث أمام جمع من المواطنين المصريين المهتمين والمهمومين بقضايا التضامن الشعبي بين السودان ومصر، وأنه قال رداً على سؤال استفزازي مبطن لزميل مصري عن موقفه من وحدة السودان إنه لا يؤمن فقط بوحدة السودان القائمة على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، بل إنه يؤمن بوحدة وادي النيل وشعوب حوض النيل التي تحقق المصالح الحقيقية لأكثر من مائتي مليون من البشر، وإن السودان عامة والجنوب خاصة سيكون أمل المستفيدين من هكذا مشروع مستقبلي. قضية وحدة الوطن السوداني برغم أنها قضية السودانيين ومسؤوليتهم الأولى، فإنها وبحكم الجغرافيا والتاريخ وأشياء أخرى كثيرة، هي قضية كل العرب وكل الأفارقة، ولقد كانت زيارة الفريق "سيلفا كير" للقاهرة خطوة موفقة النتائج على هذا الطريق. عبد الله عبيد حسن