بعد وصول البابا "بنيديكت السادس عشر" إلى تركيا أول من أمس الثلاثاء، أبدى بادرة حسن نية كانت بمثابة المفاجأة للكثير من الأتراك، وكان هدفها على ما يبدو هو تخفيف حدة الغضب الإسلامي نحوه، وذلك عندما قال -نقلاً عن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أنه يدعم الجهود التركية التي تعطلت طويلاً للانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو ما عده الكثيرون تراجعاً كاملاً عن تصريح كان قد أدلى به في هذا الشأن منذ عامين، وعارض فيه انضمام تركيا للاتحاد. وعلى الرغم من أن "الفاتيكان" لا يضطلع بدور رسمي في الاتحاد الأوروبي، ولا يتدخل بشكل علني في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فإن بادرة البابا مثلت نموذجاً للفن السياسي في وقت حرج للغاية سواء بالنسبة للعلاقة بين الغرب والشرق، أو لـ"بنيديكت" نفسه الذي تضررت سمعته بشدة في الدول الإسلامية بسبب محاضرة ألقاها وعرض خلاله نص رسالة موجهة من إمبراطور بيزنطي إلى رجل دين مسلم في القرون الوسطى يصف فيها الإسلام بأنه دين العنف، وهو ما اعتبره الكثيرون إساءة لديانتهم. وبالإضافة لذلك كان "بنيديكت" يحظى بكراهية خاصة في تركيا بسبب تعليقات أخرى نسبت إليه عام 2004 عارض فيها انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لأن تركيا باعتبارها وريثة الإمبراطورية العثمانية تمثل نقيضاً دائماً للغرب. ولكن تراجع البابا البالغ من العمر 79 عاماً عن ذلك التصريح يوم الثلاثاء (أول من أمس) يثبت أن الرجل يلتزم بالتعهد الذي كان قد قطعه على نفسه لرأب الصدع بين الغرب والشرق ومداواة جراحات الماضي. هذا احتمال، وثمة احتمال آخر، وهو أن تلك البادرة كان الغرض منها في الأساس تخفيف حدة الغضب نحوه بالأساس. وليس من الواضح حتى الآن كيف سيكون تأثير تصريحات البابا الجديدة على الجدل الدائر حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وعلى العلاقات المتوترة بين الغرب والشرق، وعلى المخاوف المتعلقة بوقوع المزيد من الهجمات الإرهابية في أوروبا، والصعوبات التي تعانيها الدول الأوروبية في محاولتها لدمج المسلمين في مجتمعاتها. ولكن نظراً لأن البابا لم يعلن رأيه الجديد بنفسه -جاء هذا الرأي على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي قال إنه قد طلب من البابا دعم جهود تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي عقب التقائه به، وإن البابا قد رد عليه قائلاً إنه ليس له دور سياسي، ولكنه مع ذلك يرغب شخصياً في انضمام تركيا للاتحاد -فإن التحول في موقف البابا يُنظر إليه من قبل البعض باعتباره تنازلاً شخصياً حصل عليه رئيس الوزراء التركي، وأن ذلك التحول كان عملاً بارعاً من أعمال الدبلوماسية التي افتقرت إليها بشدة تصريحات البابا منذ شهرين. وليس معروفاً بعد ما هي الآثار التي يمكن أن تترتب على موقف البابا الجديد من انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي سواء في تركيا نفسها، أو في العالم الإسلامي بشكل عام. بيد أنه تلزم الإشارة هنا إلى أن الصعوبة التي تواجهها عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ترجع في جزء مهم منها إلى إخفاق تركيا في الوفاء بالمطالب والالتزامات التي حددها لها الاتحاد الأوروبي كشرط لانضمامها إليه. ومن المطالب الأوروبية المطروحة بقوة في الوقت الراهن، المطلب الخاص بضرورة قيام تركيا بفتح مطاراتها وموانئها أمام الطائرات والسفن القادمة من قبرص اليونانية وهي دولة معارضة لتركيا، بيد أن المسؤولين الأتراك يقولون إنهم لن يقوموا باتخاذ أي إجراء في هذا الخصوص ما لم يقم المجتمع الدولي أولاً برفع الحظر الذي فرضه على الجزء التركي من الجزيرة منذ عشرين عاماً. وعندما توجهنا بالسؤال لبعض الأتراك في أنقرة عن رأيهم في زيارة البابا وما قاله لرئيس الوزراء التركي، أعربوا عن تشككهم في جديته. فقد قال لنا "هاكان أوزجونايدين" (29 عاماً) وهو أحد أصحاب المحلات التجارية في وسط العاصمة: "إنه ليس دعماً من البابا لمطالب تركيا وإنما كذبه... وأنا أعتقد أنه سيلعن الأتراك بمجرد أن يغادر هذا البلد". وقال لنا "ميرفي سيليكول"(21 عاماً) وهو طالب طب: "إنني أعتقد أن البابا منافق... فكيف يمكن له أن يتغير إلى هذا الدرجة خلال فترة وجيزة؟". وقال آخر يدعى إسماعيل آيتاك (51 عاماً) بنبرة بدت تهكمية: "ربما كانت هذه هي طريقة الرجل في الاعتراف بخطاياه والتكفير عن الأذى والضرر الذي ألحقه بالمسلمين... يجب ألا ننسى أنه قبل أن يكون بابا للفاتيكان فإنه بشر والبشر كما تعرفون معرضون لارتكاب الأخطاء". وقال آخرون إن دعم البابا لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يُعد إنجازاً حاسماً بالنسبة لرجب طيب أردوغان الذي قاد الجهد التركي من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي. يذكر أن زيارة بابا الفاتيكان لتركيا هي الزيارة الخامسة له منذ أن تولى منصبه العام الماضي، كما أنها أول زيارة يقوم بها إلى دولة خارج الاتحاد الأوروبي أو إلى دولة ذات أغلبية إسلامية. ويعتقد بعض المراقبين أن من ضمن أهداف البابا من تلك الزيارة مقابلة أساقفة البطريركية الأرثوذكسية في تركيا وذلك لرأب صدع يزيد عمره على 1000 عام بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وبين الكنيسة الأرثوذكسية التي يبلغ عدد رعاياها في العالم 220 مليون شخص. وبعد وصول البابا إلى تركيا، اندلعت مظاهرات صغيرة في أنقرة احتجاجاً على زيارته كما اندلعت مظاهرات أخرى في مدينة اسطنبول وهي المحطة الثانية للبابا خلال زيارته لتركيا والتي تستغرق أربعة أيام. إيان فيشر وسابرينا تافرنايس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلا "نيويورك تايمز" في العاصمة التركية أنقرة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"