في بداية هذا الشهر عرض وزير الدفاع الإيراني على دول الخليج توقيع معاهدة للدفاع والأمن. وحسب الوزير فإن المعاهدة ستضمن السلام والأمن في المنطقة. أما مضمون المعاهدة فيختص بالآتي: تطوير ترتيبات دفاعية وعسكرية وتنظيم مناورات مشتركة، ومكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات والأمن الإقليمي. وجاء العرض المذكور في وقت بدأت فيه إيران مناورات عسكرية كبيرة في البر والبحر استمرت عشرة أيام في العديد من المحافظات الإيرانية؛ خصوصاً تلك التي تطل على الخليج العربي وبحر عُمان. بالطبع إن المعاهدات والاتفاقيات تحد من ظروف التوتر والتحسس فيما بين الدول، وهي (الاتفاقيات) أطر حضارية تجعل البلدان أكثر تلمساً لمصالحها وعلاقاتها مع الآخرين؛ خصوصاً الدول المتجاورة أو المتشاطئة. لكن الوضع فيما بين دول مجلس التعاون وإيران يأخذ شكلاً آخر نظراً لتاريخ العلاقات بين الطرفين، واستحقاقات الجوار التي حفر فيها التاريخ ستصطدم بتلك الاستحقاقات، وذلك للأسباب التالية: 1- أن آثار الحرب العراقية- الإيرانية ما زالت تلقي بظلالها على ملف العلاقات بين الطرفين. ذلك أن دول مجلس التعاون - معظمها- قد ساندت العراق ضد إيران. وكلنا يعلم أن آثار تلك الحرب كانت مدمرة على الطرفين العربي والإيراني. وتلك الحرب إن استنزفت أرواحاً ومعدات وأثرت على البنى التحتية في كل من إيران والعراق؛ فإنها في ذات الوقت استنزفت ميزانيات دول مجلس التعاون، وهذا ما آخّر برامج التنمية في هذه البلدان، وأبرز سياسة "شد الحِزام" التي أخرجت المواطن الخليجي من حياة الدعة ودولة الرفاه. 2- اعتبار إيران الحربَ شعوبية، أي بين عنصر وعنصر، وهذا ما أجج مشاعر العرب كلهم، وأزّم علاقات طهران مع العديد من الدول العربية. 3- سعي إيران الدؤوب إلى تصدير "الثورة"، وإطلاقها شعارات معادية لمشاعر العرب والأنظمة في الخليج، بما في ذلك لغة التحريض ضد هذه الأنظمة. 4- ارتباط دول المجلس باتفاقيات أمنية ودفاعية مع الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الذين يقضون مضجع إيران. 5- الموقف في العراق ووجود القوات الأميركية داخل البلد والاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران -كل حسب موقفه ومصالحه- ذلك أن إيران تريد استباحة العراق -نتيجة احتقانات تاريخية- لتأسيس نظام شيعي تابع لها. وتردد المصادر أن هنالك أكثر من مئة ألف عنصر استخباراتي إيراني في جنوب العراق ووسطه. وهذا ما يجعل الطرف الأميركي دائم التوجس والقلق. 6- الحذر وفقدان الثقة في طهران -فيما لو تخلت الولايات المتحدة عن قواعدها، وسلمت العراق لأهله -فتخلو الساحة لتتحكم إيران في مقاليد الأمور، ولعل أهمها تدفق النفط إلى الخارج، وقيام إيران بسياستها التحريضية لتحريك الفئات الشيعية في المنطقة وخلق بؤر شغب واضطراب في دول مجلس التعاون. 7- إمعان إيران في سياستها السلبية تجاه دعوات دولة الإمارات العربية المتحدة لحل مشكلة احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى). ومحاولة إيران على مدى عقدين من الزمن "شق" الصف الخليجي حول هذا الموضوع. بل إن الموقف الإيراني كان وما زال متصلباً، ومتجاهلاً لجميع الدعوات التي أطلقها مجلس التعاون، وكان آخرها في اجتماع وزراء خارجية المجلس في جدة، الشهر الماضي. 8- قوة إيران التسلحية وتطويرها أسلحة لا تمتلكها دول مجلس التعاون، واستعراض العضلات الذي ما انفكت طهران تدفع به إلى مياه الخليج بالقرب من السواحل العربية، بل لقد قامت -كما تقدم- بعمل مناورات متزامنة تقريباً مع المناورات الأميركية التي جرت مؤخراً في مياه الخليج. 9- اختلاف إيران مع وكالة الطاقة الذرية والمجتمع الدولي حول ملفها النووي، وتصريحات قادتها المتكررة بالمضي قدماً في تخصيب اليورانيوم، وهو ما تعتبره دول مجلس التعاون تهديداً مباشراً لأمنها السياسي والاقتصادي والبيئي. 10- دعم إيران المتزايد لـ"حزب الله" وحركة أمل في لبنان، والمقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة؛ ما تعتبره الولايات المتحدة تهديداً لمساعي السلام وعرقلة لجهودها في استتباب الأمن وإقامة الدولة الفلسطينية. 11- لجوء إيران إلى سياسة "استعداء" المجتمع الدولي وذلك عبر التصريحات والشعارات المتحدية للقرارات الدولية، وإطلاقها أوصافاً تخرج عن مضامين الدبلوماسية الدولية على بعض قادة دول العالم. لكل تلك الأسباب نجد أن طرح مشروع اتفاقية أمن ودفاع بين إيران ودول مجلس التعاون يأتي في سياق يجعلها غير قابلة للنماء. ويبدو أن إيران تريد إحراج دول مجلس التعاون مع الولايات المتحدة. وتلك سياسة لاشك أن دول المجلس تفطن لها جيداً. ذلك أن توقيع الاتفاقيات لا يأتي عبر المناورات السياسية أو أنها تصلح للتكتيك المؤقت، بل إنها تكون أساساً لقواعد من الثقة المتبادلة والنظرة المتشابهة للأمور والمصالح المشتركة. ودول مجلس التعاون اليوم مصالحها أكثر وثوقاً مع الولايات المتحدة، وهي علاقات دائمة النمو، ولم يحصل ما يؤثر سلباً على تلك العلاقات. فضمان تدفق النفط إلى الأسواق الأميركية والأوروبية يوجد عبئاً ومسؤولية على الولايات المتحدة بما في ذلك التواجد العسكري في المنطقة كرادع ضد أي خلل أمني إقليمي أو داخلي في أي من هذه الدول. فالعلاقة تبادلية، خصوصاً وأن هذه الدول غير قوية عسكرياً إذا ما حصل تحرك عسكري من أي جانب. أما إيران فترى في ذلك التواجد ضرباً من الهيمنة الأميركية، وقد أكد ذلك قائد الحرس الثوري الإيراني يحيى صفوي غداة اجتماع وزراء الدفاع بدول مجلس التعاون: "أعتقد أن من غير المرجح أن يخلقوا (الأميركان) لنا المشاكل لأنهم يدركون أن قواتهم المنتشرة في دائرة من ألفي كيلومتر يمكن أن تتعرض للخطر". وفي تلك إشارة إلى القواعد الموجودة في المنطقة بما فيها دول مجلس التعاون. وهذا إجراء تهديدي واضح ليس لأميركا وحدها بل لجميع دول المنطقة. وفي إجراء لتحدي الولايات المتحدة أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أنه لاعودة عن مشروع إيران النووي، وأنه سيبعث برسالة إلى الشعب الأميركي لشرح وجهات نظر الشعب الإيراني. كما دخل على ذات الخط وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي: "إن إيران ليست طالبة مفاوضات مع الولايات المتحدة "، وبسبب "سوء نية الأميركيين واستخدامهم للدعاية عدلت إيران عن نية المفاوضات". ويبدو أن وزير الخارجية الإيراني كان يصحح ما صدر عن متحدث باسم الخارجية الإيرانية (محمد حسيني) من أن إيران على استعداد لأن تبحث طلباً رسمياً من الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات. نحن نعتقد أن دول المجلس تقف على مفترق طرق بين إيران والولايات المتحدة. ويرى العقلاء في المنطقة أن ازدياد حدة التوتر والملاسنات التي تأخذ طابع التحدي لا يسمح بالتقارب الذي "تعلن" عنه إيران، وهي لا تفتأ تذكر المجتمع الدولي بأن "المناورات التي أجرتها الولايات المتحدة في الخليج دليل على "العدائية والهيمنة " مؤكدة "أنها تراقب حركة السفن" الأميركية. من جانبها أعلنت الولايات المتحدة أنها "تملك أدلة متزايدة عن سعي سوريا وإيران و"حزب الله" للانقلاب على الحكومة الشرعية اللبنانية وتعطيل قيام المحكمة الدولية" الخاصة بمقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ولا يمكن حل هذه المعضلة -(ترتيبات أمنية في المنطقة- دون جلوس الولايات المتحدة وإيران ودول المجلس على طاولة واحدة! وهذا يعتبر ضرباً من المستحيل في الوقت الراهن.