يشكل الفوز الواضح لرافائيل كوريا في الانتخابات الرئاسية الإكوادورية التي أجريت يوم الأحد الماضي، وهو الاقتصادي ذو الميول اليسارية والصديق الحميم للزعيم الفنزويلي هوجو شافيز انتصاراً آخر للتيارات اليسارية التي اجتاحت أميركا اللاتينية في السنوات الأخيرة. وقد صرح رافائيل كورييا بعد إعلان فوزه رسمياً ليلة الأحد الماضي قائلاً: "إننا سنكون أقرب إلى هوجو شافيز، قريبين منه جداً". وهذه الانتخابات التي حملت رجلاً يسارياً إلى السلطة في الإكوادور بعد منافسة شرسة مع الملياردير "أرفارو نوبوا" لم تمر دون مراقبة لصيقة من قبل الولايات المتحدة، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة أميركا اللاتينية بالنسبة للأمن القومي الأميركي. وتهتم أميركا أيضاً بالعلاقات الاقتصادية مع جيرانها في الجنوب، لاسيما وأن الرئيس الجديد للإكوادور رافائيل كورييا سبق وأن تعهد خلال حملته الانتخابية بالتخلي عن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة والسعي إلى إغلاق القاعدة الأميركية في البلاد. وبفوز رافائيل كورييا بالانتخابات الأخيرة ووصوله إلى سدة الرئاسة تكون الإكوادور قد انضمت رسمياً إلى محيطها الاشتراكي الجديد الذي تشكله البرازيل وتشيلي وبوليفيا والأرجنتين وأوروجواي ونيكاراجوا وفنزويلا، وهي الدول التي اختارت جميعها رؤساء يساريين لتسيير دفة الحكم فيها. لكن بالرغم من الميول اليسارية الواضحة في خطاب رافائيل السياسي، إلا أن المراقبين لا يرجحون تشدده في السياسة الاقتصادية للبلاد. وفي هذا الإطار يؤكد "إدواردو كامارا"، الخبير في جامعة فلوريدا بالولايات المتحدة، أن العلاقات القوية التي تجمع رافائيل بالرئيس الفنزويلي هوجو شافيز لن تدفعه إلى تبني سياسات انعزالية، أو متشددة كما روج لذلك خصومه السياسيون. وعلى حد قول الخبير كامارا "ستكون العلاقة مع هوجو شافيز قوية، ونفس الشيء مع إيفو موراليس وغيرهما، لكن هؤلاء الزعماء ذهبوا بعيداً في سياساتهم الاقتصادية، ولا أعتقد أن الإكوادور مستعدة إلى الذهاب بعيداً في نفس الاتجاه". وقد حرص رافائيل خلال حملته الانتخابية على توضيح رؤيته السياسية، لاسيما في ما يتعلق بصديقه هوجو شافيز، حيث أكد أنه لن يكون له أي تأثير على سياساته الداخلية قائلاً "صحيح أن شافيز صديق قديم لي، لكن في بيتي أنا من يتولى الأمور وليس الأصدقاء". وقد أكد رافائيل عزمه على عدم استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة حول إبرام اتفاق للتجارة الحرة بين البلدين، كما أشار أيضاً إلى إمكانية انضمام الإكوادور مجدداً إلى منظمة الدول المصدرة للبترول. وهو يسعى بالإضافة إلى ذلك، كما أعلن في حملته الانتخابية، إلى تشكيل لجنة تسهر على التخلص ممن أشار إليهم بـ"المافيات السياسية" التي يقول إنها حكمت البلاد على حساب الأغلبية المحرومة من الشعب. يشار إلى أن الإكوادور تحتل المرتبة الثانية من بين الدول الأكثر فساداً في أميركا اللاتينية بعد فنزويلا حسب منظمة "الشفافية العالمية". ويرى الخبراء أن سبب انجذاب الناخبين في الإكوادور إلى رافائيل يرجع إلى أنه وجه جديد، على رغم أنه سبق وأن تقلد منصب وزير المالية العام الماضي، لفترة وجيزة. ويتوقع مناصرو رافائيل أن يساهم في تغيير الوضع الراهن، والدفع بأجندة الإصلاحات الاقتصادية التي تخدم الطبقات الفقيرة في البلاد. فحسب تقديرات البنك الدولي يفوق دخل 10% من الأغنياء في الإكوادور بأكثر من ثلاث مرات الدخل الذي يحصل عليه 50% من الفقراء في البلاد. وفي هذا الإطار يقول الطالب أندري بافون "مع رافائيل ستكون الأمور أفضل بالنسبة للجميع، فهو وجه جديد ولا ينتمي لأي حزب سياسي". ورغم تصريحاته المدافعة عن الفقراء يرى البعض أن سياساته الاقتصادية لا تسير في الاتجاه الصحيح. وحسب فرناندو سانتوس، أستاذ القانون في جامعة أميركاس بالإكوادور لاشك أن "رافائيل يسعى إلى التغيير، وهو يملك تصورات طموحة، لكنه يمشي في الطريق الخاطئ". وقد حاول خصومه السياسيون رسم صورة سلبية عنه خلال حملته الانتخابية، حيث تمت الإشارة إليه كسياسي يسعى إلى إغلاق البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية على عكس منافسه رجل الأعمال "نوبوا" الذي يريد فتح الإكوادور على الأفكار الجديدة. لكن بالنزول إلى الشارع تميل مواقف الغالبية من الرأي العام إلى الأفكار التي ينادي بها رافائيل والقائمة على تبني نموذج اقتصادي جديد يهتم باحتياجات الطبقات الفقيرة. وفي هذا الصدد يقول سائق التاكسي دييجو أرياس: "لا يخيفني كثيراً عدم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، يكفينا أن نتحد هنا في أميركا الجنوبية كي تتحسن الأمور، لاسيما وأننا نملك الكثير من النفط". سارا ميلر لانا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في الإكوادور ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"