تطورات الحياة السياسية في كوريا الجنوبية، والتغير السريع في اهتمامات الناخبين، إضافة إلى تأثير استطلاعات الرأي التي لا ترحم... كلها عوامل تقف وراء اقتراب الرئيس "رو مو هيان" من عامه الأخير في الحكم. والواقع أنه لا سياسة "رو" القائمة على إشراك كوريا الشمالية، ولا حتى التجارب النووية التي أجرتها مؤخراً، هي المسؤولة عن تدني شعبيته إلى 11 في المئة الحالية، بل إنه الاقتصاد. وفي هذا الإطار، يقول "تشانغ جونغ باي"، المشرع من "حزب يوري" الحاكم والحليف المقرب من "رو"، "إن السبب الرئيسي لفقداننا التأييد الشعبي يتمثل في أننا لم نستطع تحقيق تقدم على صعيد مواضيع المعيشة"، مضيفاً "أن واقع الاقتصاد بصفة عامة ليس سيئاً –إذ وصل النمو الاقتصادي مثلاً إلى أزيد من أربعة في المئة- غير أن حياة المواطنين العاديين أضحت صعبة للغاية". والواقع أنه بالرغم من أن أزمة كوريا الشمالية توسع الهوة بين سيئول وواشنطن، فإنها ليست الموضوع الذي يستأثر بانشغال الناخبين. بل إن التجربة النووية التي قامت بها كوريا الشمالية الشهر المنصرم أعادت التأكيد على الإجماع الوطني على أنه ليس أمام كوريا الجنوبية من خيار سوى الاستمرار في سياستها القائمة على الحوار مع كوريا الشمالية. غير أنه في ظل ضعف "رو" وتوفره على ولاية رئاسية وحيدة من خمس سنوات بمقتضى الدستور، فقد بدأ الاهتمام ينتقل إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع إجراؤها في ديسمبر 2007، في وقت بدأت فيه المعارضة التركيز على موضوع يحظى باهتمام متزايد من قبل الناخبين مقارنة مع موضوع كوريا الشمالية. وفي هذا السياق، يقول "لي ميانغ باك"، عمدة سيئول السابق والمرشح الرئاسي المتقدم الأوفر حظاً للتقدم باسم "الحزب الوطني الكبير" المعارض، "إن الموضوع الذي سيتصدر المواضيع الانتخابية خلال الاستحقاق المقبل هو الاقتصاد، يليه ملف كوريا الشمالية النووي أو أحد المواضيع الأخرى التي لها صلة بموضوع العلاقات بين الكوريتين". وقد وجه "لي"، وعلى غرار أعضاء آخرين من حزبه "المحافظ"، اتهامات للرئيسَ "رو" بتدليل الجارة الشمالية. غير أن وضع كوريا الشمالية في دائرة الضوء خلال الانتخابات المقبلة من شأنه أن يبرز أنه رغم الانتقادات، فإن مقاربة المعارضة تجاه كوريا الشمالية لا تختلف اختلافاً جذرياً. ويقول "لي" "إنني وحزبي– الحزب الوطني الكبير- نعتقد أنه ينبغي تعديل سياسة الإشراك"، قبل أن يضيف "ولكننا لا نعني أبداً أنه لا ينبغي تنفيذها أو أنه ينبغي رفضها". وخلافا لـ"رو"، يقول "لي" إنه يعتزم الانضمام إلى الجهود التي تتزعمها الولايات المتحدة لتفتيش سفن كوريا الشمالية في المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية، ولكن فقط –يضيف "لي"- إذا فهمت الولايات المتحدة أن الكوريين الجنوبيين يشددون على ضرورة تفادي "المواجهة العسكرية" بأي ثمن، مضيفاً أنه يعتزم استكمال المشروعين الاقتصاديين الكبيرين لكوريا الجنوبية مع "الشمال" المتمثلين في منتجع ومنطقة صناعية. لقد تمكن "رو" من إحراز تقدم على صعيد كسر العلاقة الوثيقة بين السياسة والممسكين بتلابيب السلطة التقليدية عبر تقليص دور وسائل الإعلام "المحافظة" وترك ممثلي الادعاء العام يتابعون الشركات المخالفة للقانون؛ حيث منح ممثلي الادعاء العام، وجباة الضرائب، وموظفي الاستخبارات هامشاً واسعاً من الحرية. وفي هذا السياق، يقول "كانغ وون تايك"، المتخصص في العلوم السياسية بجامعة "سونغسيل" في سيئول، "في الماضي، كان كل رئيس يمارس السلطة عبر هذه المكاتب الثلاثة"، معتبراً أن الرئيس "رو" يعد إلى حد ما ضحية نجاحه الخاص قائلاً "إن الكوريين راضون عن طريقة عمل الديمقراطية الكورية. فالناس أحرار اليوم". ويعيب عدد من المحللين السياسيين على "رو" بطئه الشديد في الإقرار بأن الناخبين يرغبون في الاستمتاع بثمار الديمقراطية. وفي هذا السياق، يقول "جونغ هان وول"، الخبير في استطلاعات الرأي والمدير التنفيذي لـ"معهد شرق آسيا" المستقل، "لقد تم انتخاب "رو" بفضل مواضيعه الأيديولوجية. غير أن الناخبين اليوم ضاقوا ذرعاً بالمواضيع الأيديولوجية وأصبحوا مهتمين أكثر بالمواضيع الاقتصادية. وبالتالي، يمكن القول إنه لم يكن لموضوع كوريا الشمالية أثر كبير على معدلات شعبيته". وبالنظر إلى النمو الكبير الذي حققته كوريا الجنوبية، فقد وصف "رو" حديث المعارضة عن تراجع الاقتصاد بأنه لغو لا يستند إلى منطق. غير أن عددا من المراقبين يرون أنه فشل في العمل على أن تصل ثمار النمو الاقتصادي إلى الناخب العادي الذي أصبح محبطا بسبب ارتفاع القروض العقارية، وكلفة التعليم العالي، وأسعار العقارات إلى مستويات لا تطاق. ويرى "جونغ" أنه نظراً لما يبدو تقصيراً من قبل "رو" بخصوص الاقتصاد، فقد تدنت معدلات شعبيته في البداية إلى ما دون 30 في المئة قبل عامين من اليوم بعد أن فقد معظم أنصاره المعتدلين. ويضيف أن التدني تكرس هذا العام بعد استياء أنصاره الشباب بشكل متزايد أيضاً من حصيلة الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب. نوريميتسو أونيشي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في سيئول ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"