بعد أن نجح أحد مصانع الحلويات واسعة الانتشار بين الأطفال، في توزيع منتجات منتهية الصلاحية منذ ثمانية أشهر كاملة، وبعد أن اكتشفت فرق الرقابة والتفتيش في دائرة بلدية رأس الخيمة الواقعة، التي حدثت على مسمع ومرأى من مالك المصنع ومديره، كانت العقوبة الموقّعة على هذا الفساد الغذائي الذي حدث مع سبق الإصرار والترصّد لا تتجاوز إغلاق المصنع مع فرض غرامة مالية لا تتجاوز العشرة آلاف درهم و"دراسة" إلغاء الرخصة نهائياً! ضحايا المنتجات، أو بالأحرى السموم التي باعها المصنع، من الأطفال بالمئات بل بالآلاف، والواقعة متكرّرة ومستنسخة من وقائع أخرى مشابهة تزخر بها ملفات البلديات، ولكن لا يبدو -حتى الآن- أن هناك تقديراً مناسباً لحجم الخطر الصحي الناجم عن استمرار ظاهرة الغش وتزوير تواريخ الصلاحية وتوزيع المنتجات الغذائية منتهية الصلاحية. الأمانة العامة للبلديات أكدت غير مرة أن هناك إجراءات دقيقة تتبع للرقابة على سلامة الأغذية في المصانع والمخابز، وأن هناك برامج جودة عالمية تطبّق في هذا الشأن، ولكن الواقع يخالف هذه الحقائق في كثير من الحالات، التي تتسرّب إلى الإعلام بين الفينة والأخرى. صحيح أن الخروقات والتجاوزات الفردية أمر وارد، وصحيح أيضاً أن لدينا قوائم طويلة من القواعد والاشتراطات والتعليمات الصارمة التي تحكم عمليات إنتاج وتخزين وتوزيع المنتجات الغذائية، ولكن هناك بالمقابل تجاوزات عديدة تحدث ولا تواجه بالعقوبات الرادعة التي تتناسب مع حجم ما تسببه هذه الممارسات من خطر صحي، كما أن هناك منتجات غذائية مستوردة بالغة الخطر تكتشف بالمصادفة وعقب توزيعها وانتشارها بين المستهلكين. وهناك أمثلة عديدة لا يتسع المجال لذكرها هنا، مثل استمرار تداول الأكواب البلاستيكية في معظم المطاعم والكافتيريات رغم أن معظم بلديات الدولة قد حظرت رسمياً استعمال هذه النوعية من الأكواب في تناول المشروبات الساخنة بسبب خطرها الصحي. أحد جوانب المشكلة يكمن في قصور الوعي الصحي لدى شرائح عريضة من المستهلكين نتيجة غياب التواصل بين حملات البلديات وجمهور المستهلكين، ولكن الشقّ الأكبر من المسألة يتصل بغياب التنسيق وتوحيد المعايير والآليات والتجهيزات التقنية والمختبرات بين الجهات المعنية بالرقابة الصحية في مختلف إمارات الدولة. حيث يلاحظ أن بعض فئات "المستثمرين" يستغلون ضعف قبضة الرقابة الصحية في بعض المناطق، أو عدم وجود مختبرات حديثة لفحص وتحليل المنتجات الغذائية أو محدودية حملات التفتيش مقارنة بحجم المنشآت الغذائية ويمارسون الغش التجاري ويتلاعبون بصحة البشر، فأحدهم يستورد "علكة" ثبت أنها تلحق الضرر بالكبد والكلى، وآخر يحوّل مسكنه إلى مخزن للتلاعب بتواريخ صلاحية الأغذية والمشروبات، وهكذا تطول قائمة المخالفات والتجاوزات والعبث بصحة المستهلكين في غياب الرقابة الصحية والعقوبات المشدّدة التي ينبغي أن تشكّل رادعاً قوياً لكل من تسوّل له نفسه الإضرار بصحة الآخرين. وفي ظل تزايد حالات الغش التجاري، يصبح تشديد العقوبات بوابة حتمية للأمن الصحي، وتتزايد مسؤولية الأجهزة المعنية بالصحة العامة، خصوصاً أن المستهلكين فاقدو الحيلة إزاء اكتشاف عمليات تزوير تواريخ الصلاحية والتلاعب بتواريخ الإنتاج، فضلاً عن صعوبة اكتشاف حالات سوء التخزين وفساد المكوّنات الغذائية لسبب أو لآخر. إن استئصال ممارسات غش الأغذية يتطلّب ردعاً قانونياً يفوق الغرامات المالية، رغم محدوديتها، ويتجاوز أيضاً الإغلاق المؤقت أو الدائم للمنشأة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.