كانت لحظة مربكة بالنسبة لـ"مارتن فيكي" العميل الخاص المكلف بالهجرة الأميركية والجمارك في مطار نيويورك. فقد كان جالساً إلى جانب أحد أعضاء البرلمان البريطاني في إطار ندوة حول "الحرب على الإرهاب وصدام الحضارات". وفي تلك اللحظة وجه رئيس الجلسة سؤالاً لـ "مارتن" حول سبب توقيفه لعضو البرلمان البريطاني والتحقيق معه لحوالي الساعة من الزمن داخل المطار. لكن بالنسبة للحضور الذين كانوا في أغلبهم من الطلبة الأميركيين المسلمين لم يكن من الصعب تخمين الجواب. فقد أوقف البرلماني البريطاني، رغم حيازته جواز سفره الدبلوماسي، لأن اسمه كان "شديد مالك"، وهو اسم يشير إلى أنه مسلم. أما "فيكي"، فرد قائلا: "لقد تحدثت معه على انفراد واعتذرت له عما حصل، والواقع أنه أمر ما كان له أن يحدث أبداً". ويعمد هذه الأيام مسؤولو إدارة الأمن القومي وعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالية على تنظيم لقاءات في عموم البلاد تهدف إلى التواصل مع المسلمين الأميركيين، وردم هوة عدم الثقة التي تولدت بين المسؤولين والمسلمين غداة أحداث 11 سبتمبر. لكن عملية التواصل تلك لم تكن مريحة تماماً حسب العميل "مارتن فيكي"، لا سيما وأنها لم تمتد إلى جميع المناطق بنفس الجدية والاهتمام اللازمين، بحيث طُبقت على نحو جيد في نيويورك التي تشهد اجتماعات دورية للمجلس الاستشاري الإسلامي، فيما تعثر التواصل في مناطق أخرى. ومع ذلك يعتقد الخبراء في وزارة الأمن الداخلي، فضلاً عن قادة المسلمين الأميركيين بأن مساعي التواصل ذات أهمية قصوى للحفاظ على أمن البلاد وتقوية نسيجها الاجتماعي. وفي هذا الصدد يقول "أرسلان افتخار"، المدير القانوني في "مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية" في واشنطن "لقد أوجدت أحداث 11 سبتمبر هوة كبيرة في العلاقات بين الطرفين، ومازال أمامنا الكثير للقيام به لردمها"، مضيفاً أنه "بعد مرور خمس سنوات على تلك الهجمات نستطيع أن نقيم ما جرى بهدوء وندرس التدابير الأمنية ذات الفاعلية، وتلك التي لم تسهم سوى في توتير العلاقات بين السلطات والمسلمين الأميركيين. واليوم حان الوقت للتواصل مع المسلمين بشكل أفضل باعتبارهم شركاء في المجتمع". ويؤكد الخبراء بأن المسلمين في أميركا تحملوا عبئا ثقيلاً بعد أحداث 11 سبتمبر عندما تم اعتقال أكثر من 1200 مهاجر أغلبهم من العرب والمسلمين وظلوا محتجزين لفترة طويلة دون المثول أمام المحكمة. وقد اعترف بالحيف الذي وقع على المعتقلين المسلمين المفتش العام في وزارة العدل الأميركية نفسه الذي خلص إلى أن اعتقالهم كان "عشوائياً ومن دون تمييز"، حيث تم الخلط بين المعتقلين الذين انتهكوا قوانين الهجرة، وبين من يشتبه في علاقاتهم بالإرهاب. وكشف التقرير الذي أعده المفتش العام أيضاً استخداماً ممنهجاً "للعنف اللفظي والجسدي" من قبل الضباط المسؤولين عن الاعتقال". وفي الأخير لم توجه تهمة الإرهاب سوى لعدد قليل من المعتقلين، أما الباقي، والبالغ عددهم 231 فرداً، فقد رُحلّوا إلى بلدانهم. وقد أحدثت وزارة العدل برنامجا ًخاصا يطلب من الزائرين القادمين من 24 دولة عربية وإسلامية تسجيل بياناتهم لدى ضباط الهجرة، حيث أقدم أكثر من 80 ألفا على التسجيل. وخلال مراقبتهم للزائرين كشف مسؤولو الهجرة وجود حوالي 13 ألف حالة غير مستوفية للشروط المطلوبة، ما يعني أن لديهم مشاكل تتعلق بتأشيراتهم. وهم الآن ينتظرون جلسات المحكمة لترحيلهم، رغم أن الخبراء يرجعون تلك المشاكل إلى البيانات غير الدقيقة والتأخير الكبير الذي يطال عملية معالجة طلبات الإقامة الدائمة. وبسبب الصعوبات والمشاكل المتعددة التي خلفها البرنامج المستحدث قررت وزارة العدل إلغاءه وإعفاء القادمين الجدد من تسجيل بياناتهم كما كان مطلوبا منهم بموجب البرنامج. وفي هذا السياق يقول "جيمس زغبي"، رئيس المعهد العربي الأميركي "إنه باستحداث هذه البرامج استثمرت السلطات الأميركية كثيراً في عملية تنفيذ القانون، لكن نتائجها كانت عكسية على العلاقة بين السلطات والمسلمين الأميركيين". ويذكر أنه عقب هجمات 11 سبتمبر، ارتفع معدل التمييز ضد المسلمين والعرب الأميركيين. ففي 2001 ذكر مكتب التحقيقات الفيدرالية أن الجرائم المرتبطة بكراهية المسلمين ارتفعت بحوالي 1600%، أما الجرائم العرقية المرتبطة بكراهية الأشخاص المنحدرين من أصول عربية فقد ارتفعت بنسبة حوالي 500%، على حد قول "جيمس زغبي". وفقط في الأسبوع الماضي، تم توقيف ستة أئمة مساجد أثناء رجوعهم إلى الولايات المتحدة بعد حضورهم لمؤتمر حول التسامح الديني، حيث تم اقتيادهم خارج المطار مكبلي الأيدي، بعدما أخبر أحد المسافرين رجال الشرطة بسلوك مريب تبين فيما بعد أنه رأى أحد الأئمة، وهو يصلي في مكان متوار في باحة المطار. ولعله من الأمور الأكثر إزعاجاً للمسلمين هو نظرة الأميركيين إلى الإسلام، بحيث يعتبر أكثر من نصف الأميركيين أن الإسلام دين مرتبط بالعنف والتطرف. ولا تقتصر هذه التصورات الخاطئة عن الإسلام على المواطنين الأميركيين العاديين، بل تمتد أيضا إلى صفوف رجال المباحث الفدرالية. لذا فقد أصبح تثقيف الضباط حول الثقافة الإسلامية جزءا أساسيا من الجهود التي تبذلها السلطات للتواصل مع المسلمين. وفي هذا الإطار أصبح عملاء مكتب المباحث الفيدرالية يتلقون دروساً عن الإسلام قبل التخرج مثل المبادئ الأساسية التي يقوم عليها، والفرق بين السُنة والشيعة. ويقول "أندرو أرين"، رئيس مكتب المباحث الفيدرالية في نيويورك "لقد استطعنا بهذه الطريقة التعامل بشكل أفضل مع المسلمين بعدما أصبحنا أكثر وعياً بالاختلاف الثقافي وبمبادئ الدين الإسلامي". لكن رغم النجاح النسبي الذي لاقته محاولات التواصل مع المسلمين الأميركيين في نيويورك، فإنها مازالت دون المستوى المطلوب في مناطق أخرى. ويرجع الخبراء ذلك إلى اللقاءات الدورية التي يجريها الزعماء المسلمون في نيويورك مع السلطات وغيابها فيما تبقى من المدن الأميركية. ألكساندرا ماركس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو هيئة التحرير في "كريستيان ساينس مونيتور" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"