السيدة الوحيدة التي وصلت إلى البرلمان في الانتخابات البحرينية التي انتهى شوطها الأول منذ أيام، هي النائبة لطيفة القعود، وستكون الوحيدة في مواجهة تسعة وثلاثين نائباً في المجلس المقبل. ورغم هذا الوصول فإنه لا يعتبر فوزاً حقيقياً للمرأة في الانتخابات البرلمانية، فهو وصول أشبه بالتعيين، لأن القعود لم تصل إلى البرلمان انتخاباً وإنما بالتزكية؛ فقد فازت بمقعدها بعد انسحاب المرشحين أمامها بصورة مفاجئة. هذه هي المرة الثانية التي تخفق فيها المرأة في انتخابات البحرين، وربما تعتبر هذه الخسارة أعمق من السابقة لأنها في عام 2002 استطاعت الوصول إلى الدورة الثانية وكانت لها فرصة أكبر للفوز، وخسرت بفارق أصوات قليلة، أما الآن فانها لم تصل حتى للجولة الثانية!الأرقام تقول إن عدد المسجلين في قوائم الناخبين في البحرين وصل إلى 295 ألف ناخب، أكثر من نصفهم بقليل هم من النساء 148 ألف ناخبة والغريب أن المرشحات السبعة عشر لم يحصلن على أصوات إلا من عدد قليل منهن؟! والسؤال هو: لماذا اتجهت النساء إلى الرجال، ولماذا أعطت المرأة صوتها للرجل وبقوة هذه المرة؟ الأرقام في الإمارات تقول بأن القائمة الأولية للمرشحين لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي تضم 456 من أعضاء الهيئة الانتخابية، بينهم 65 امرأة... ومن المعروف أن القوائم الانتخابية تضم في مجموعها 6689 عضواً من بينهم 1189 امرأة... وبذلك تمثل النساء المرشحات لعضوية المجلس الوطني من مجمل أعداد المرشحين نسبة 14.25%، مقابل 85.75% للرجال... فماذا تكون نتيجة ضرب وقسمة وجمع وطرح هذه الأرقام مع بعضها البعض؟ لم يكن هدف المرأة البحرينية الحضور والتواجد في هذه الانتخابات، فهي تواجدت منذ أربع سنوات ومنذ انتخابات عام 2002، وحتى هذه الانتخابات كانت هناك جهود حثيثة وكبيرة لتمكينها سياسياً ودعمها معنوياً، وفي بعض الأحيان مادياً، للفوز في الانتخابات البرلمانية والوصول إلى البرلمان، وهذا ما لم يحدث، وتفسيره عند النساء فقط؟! المرأة الكويتية كانت قد خسرت الانتخابات البرلمانية قبل أشهر عندما فشلت في الوصول إلى مجلس الأمة في انتخابات مماثلة شهدتها منتصف العام الجاري... وبعد أسبوعين تقريباً ستكون المرأة الإماراتية أمام اختبار صناديق الاقتراع، ستقف وتنتظر نصيبها وستعرف موقف المرأة الإماراتية منها... فهل سيتكرر المشهد البحريني والكويتي في الإمارات وتعود المرأة بخفي حنين، أم أن للمرأة الإماراتية وللرجل الإماراتي رأيا آخر وموقفا آخر سيتم تأكيده أمام صناديق الاقتراع؟! الإجابة على هذا السؤال إن كانت اليوم "بفلوس فبلا شك أنها ستكون بكره ببلاش"! أحد أهم الأخطاء التي تسببت في فشل المرأة في الانتخابات النيابية في البحرين، وفي الكويت أيضاً، أن أغلب المرشحات ركزن في حملاتهن الانتخابية على قضايا المرأة فقط... أما الرجال- فقد استخدموا فكرهم وخبثهم الذكوري- وركزو على قضايا المرأة وطالبوا بحقوقها قبل حقوق الرجل، ففازوا بأصوات النساء قبل الرجال... وهذا ما نراه يتكرر مع بعض المرشحات عندنا في الإمارات، فتعلن المرأة ترشحها للدفاع عن المرأة والمطالبة بحقوقها والنيل من كل من يقترب من منطقتها أو ياخذ مكتسباتها. لكن يجب أن تعرف المرأة أن هذا لا يكفي كي تكسب صوت المرأة الناخبة، فضلاً عن صوت الرجل... يجب أن تستفيد المرأة الإماراتية من أخطاء أختها في دول الخليج الأخرى ولا تكرر أخطاء الآخرين ثم تعلق الفشل على المجتمع وعلى الرجال، فمن المهم أن تبذل المرأة التي تريد الفوز والوصول إلى البرلمان جهداً أكبر في مجتمع يؤمن أفراده- رجالا ونساء- بالرجل أكثر من إيمانهم بالمرأة رغم أن إنجازات المرأة لا تقل بأي حال من الأحوال عن إنجازات الرجل وعطاءاته. من المهم أن تعرف المرأة انه لا يكفي أن يكون لديها برنامج انتخابي واضح وقوي ولا يكفي أن تدير حملتها باقتدار وإخلاص ولا يكفي أن تعمل بجد واجتهاد من أجل الفوز... فبالإضافة إلى كل ذلك، من المهم أن تفهم اللعبة الانتخابية التي تحتاج إلى كثير من الإلمام بالمجتمع واهتماماته وبالناخب وما يجعله يعطيها صوته بدلاً من أن يعطيه للرجل... ولا شك أن التجربة الأولى ستكون صعبة ولكن ليس هناك شيء مستحيلا ولا استبعد أن تحقق المرأة الإماراتية مفاجأة في الانتخابات المقبلة... ولكن لكي يحدث ذلك من المهم أن تدرك المرأة التي تريد أن تفوز في الانتخابات البرلمانية أنه يجب أن لا تعتمد فقط على الأصوات النسائية في الانتخابات كما أنها إذا أرادت النجاح لا يجب أن تدخل كامرأة وإنما يفترض أن تقدم نفسها للناخبين، رجالاً ونساءً، على أنها مواطن من أبناء هذا الوطن، ولا يختلف الأمر عندها إن كانت امرأة أو رجلاً، كي ترشح نفسها؛ فهي في النهاية تريد خدمة الوطن. الواقع يقول إن فوز المرأة في الانتخابات لا يكفيها أن تركز على قضايا بنات جنسها وحقوقهن فقط، بل عليها أن تهتم بقضايا المجتمع المختلفة... أما بعد الفوز والوصول إلى البرلمان، فمن المنطقي أن تركز المرأة بالدرجة الأولى على قضاياها... ومشاركة المرأة في الانتخابات لها أهمية كبيرة، أكد عليها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة (حفظه الله)، في حديثه الصحفي منذ أيام مع جريدة "الشرق الأوسط"، عندما قال: "أما بخصوص المشاركة النسائية في العملية الانتخابية فإنها استكمال لدورها في الحياة العامة، والذي مكنها من المشاركة الفعلية والوصول إلى مختلف مواقع المسؤولية، بما في ذلك المشاركة في عضوية مجلس الوزراء. إن النجاح الذي حققته المرأة الإماراتية في كل تلك المواقع، يشير إلى أنها ستحقق مزيداً من النجاح داخل المجلس الوطني، بالتعبير عن قضايا المجتمع خصوصاً تلك القضايا المتصلة بحقوق المرأة والأسرة. إننا نثق بالمرأة الإماراتية وبكفاءتها وننتظر منها الكثير وخاصة في التواجد القوي في الانتخابات ترشحاً وتصويتاً". في مجتمعاتنا الخليجية، حيث تغلب القبلية، هناك ثوابت ما تزال موجودة على الرغم من المدنية والحداثة التي نعيشها، وبعض تلك الثوابت التي في أذهان أفراد المجتمع تجعلهم يميلون إلى انتخاب الرجال وتفضيلهم على النساء، وهنا لا أحد يستطيع أن يفرض على الشعوب شيئاً، فهي تحتاج إلى وقت كي تغير كثيراً من المفاهيم المغلوطة لديها، ولكننا بحاجة إلى قليل من الصبر، وكما أننا اتفقنا على عدم حرق المراحل في الانتقال إلى الديمقراطية، فعلينا أن لا نطالب المجتمع بحرق المراحل في خياره الديمقراطي والانتخابي فنتركه يختار مرشحه وبعد ذلك نحن بحاجة إلى بذل جهود كثيفة لجعل الناخب يقتنع بأنه ليس شرطاً أن يكون المرشح الأفضل هو الرجل؛ فالمرأة تستطيع أن تقدم ما يقدمه أخوها الرجل تحت قبة البرلمان، وربما تستطيع أن تقدم ما هو أفضل وأكثر تميزاً... عندما لا تفوز المرأة في الانتخابات، فعليها أن تتحلى بروح رياضية ديمقراطية ولا تلقي اللوم على الرجل، عليها أولاً أن تسأل المرأة عن سبب تفضيلها للرجل عليها، ومن ثم تحاول أن تجد الطريق إلى عقل وقلب المرأة كي تحصل على صوتها في المرة المقبلة... فأسهل فعل بعد الفشل هو إلقاء اللوم على الآخرين، ولكن أصدق فعل هو التدقيق في أسباب الفشل لتداركها في المرات المقبلة.