كلما نشرت بعض الصحف المحلية الخاصة الصادرة باللغة الإنجليزية، إساءات وتجاوزات في حق المجتمع أو الدولة، تثور مشكلة ويقوم كتاب الرأي المحليون بشن حملة عليها، وينتهي الأمر بتقديم اعتذار من الصحيفة المسيئة، رغم أن الاعتذار بعد الخطأ لا يمحي الخطأ الذي وقع ولا يزيل في كثير من الأحيان الأثر النفسي للإساءة. وعادة ما يزعم القائمون على الصحيفة بأن الصحفي المخطئ الذي غطى الحدث يجهل عادات وتقاليد المجتمع الإماراتي، وهو عذر أقبح من الذنب نفسه! ومع كل مشكلة تثور فإنها غالباً ما تنتهي بفصل الصحفي وتقديمه ككبش فداء، وكأن مشكلة بعض الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية مع مجتمع الإمارات- بذلك الإجراء- قد انتهت، إلا أن تكرار تلك التجاوزات يبدو وكأنه عملية ممنهجة تتم بهدوء لزعزعة بعض التقاليد، إلى أن يترسخ الأمر يوماً بعد يوم. ومع أن حادثة "سفن ديز" ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل مغالطات هذه الصحف، إلا أنها يفترض أن تكون درساً وعبرة لنا في إعادة التفكير من الهدف الأساسي الذي سمح لهذه لصحف بالظهور، بغض النظر عن مكان صدورها. أخطر ما في الصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية ليس في الأخطاء التي ترتكبها بين الفترة والأخرى، والتي عادة ما تكشفها الصدفة وحدها، ما يعني أن هناك الكثير منها لا يتم رصده وما يتم كشفه فقط تلك التي تستخدم فيها عنصر "الصدمة القوية" أو تلك التي تأتي على الصفحة الأولى، أما تلك التي تكون غير مباشرة، فهي غير مرئية وعادة تكون عادية من خلال دس رسالتها الممنهجة في كثير من تغطياتها وأعمدتها، فكثير من الأشياء خاصة المتعلقة بالعمالة الوافدة، لم تكن واضحة منذ فترة، أما اليوم فقد بدأت في الظهور وبشكل مزعج ومقزز، آخرها منذ يومين فقط وعلى الصفحة الأولى. ولا يكمن خطر هذه الصحف أيضاً، في أنها تستغل مساحة الحرية الإعلامية المعطاة لها بالشكل الذي يظهر معه الاختلاف في التوجه والرؤية بينها وبين الصحافة الناطقة باللغة العربية رغم الأساس الذي قامت عليه فكرة صحافة إماراتية باللغتين العربية والإنجليزية، وذلك لخدمة الجمهور غير الناطق بالعربية كي يستطيع أن يستقي ويحصل على المعلومات التي يحتاجها عن الإمارات وتقاليدها وعاداتها فهذه هي الرسالة التي كان القصد من إنشاء الصحافة الأجنبية، ولكن الأمر اختلف فصارت الصحافة الناطقة بالإنجليزية تهدد استقرار الدولة. ربما يرجع بعضنا السبب فيما يحصل من الصحف الأجنبية إلى سيطرة بعض الجاليات على صحافة الدولة والإعلام الخاص، ومع وجود مساحة من الحرية الإعلامية، لم تستطع الصحافة الناطقة بالعربية الاستفادة منها، فإن هذه الصحف تعمل على العبث فيها خاصة وأنها بعيدة عن الرقابة، على الأقل الرقابة المجتمعية، حتى باتت بعض الصحف والقنوات الفضائية تنقل لنا قضايا لا علاقة لها بمجتمع الإمارات. وحتى لا يكون الكلام ألغازاً، فإن تحليل المضمون للصحف المحلية، وهناك دراسات دورية حول هذا الموضوع، تؤكد تدني نسبة القضايا المحلية في الصحافة المحلية، سواء من حيث الأخبار المحلية الجادة أو من حيث الموضوعات المتناولة في مقالات الرأي فيما يشير إلى أن الإعلام الإماراتي مختطف، ليس فقط في الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية بل أيضاً في صحفنا الصادرة باللغة العربية، وهذه بالمناسبة حالة خليجية عامة لا تقتصر على دولة الإمارات، فنادراً ما نجد الإعلاميين الإماراتيين العاملين في هذا المجال الخطير وكثيراً ما نجد أن وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، لا تدافع عن موقف الدولة في الحملات الظالمة فيما يخص العمالة الوافدة، والسبب أن الذين يعملون في هذه الوسائل ليسوا إماراتيين بل وإن غطت تعمل عن قصد إلى تغيير المعنى لتعطي انطباعاً مغايراً لمضمون التغطية، إذا لم تعط الأولوية أصلاً لقضايا بلادها أو تركز على جوانب معينة تخدم أهدافها، وهذا ما حدث بالفعل في تناول صحيفة "سفن ديز" لموضوعات إماراتية في الآونة الأخيرة!