كشفت الحملات المرورية التي تشهدها مدن الدولة، حالياً، عن العديد من الحقائق، وسلّطت الضوء على الكثير من الممارسات، وأكدت أيضاً، أن تحقيق الانضباط المروري يحتاج إلى جهود مُضنية ومتواصلة ومكثفة تتجاوز "الأسابيع المرورية" السنوية المعتادة، وتتجاوز أيضاً الاكتفاء بالدور العلاجي والانتقال إلى الدور الوقائي، للحيلولة دون إزهاق مزيد من الأرواح، ووقف نزيف الدماء المتواصل على الطرقات والأرصفة. فرغم دخول الحوادث المرورية إلى بؤرة الاهتمام الرسمي والإعلامي والشعبي، ورغم اللجوء إلى آليات رقابية وإجرائية جديدة في ملاحقة التهوّر والمتهوّرين، ورغم الحرص على تشديد العقوبات وتنويع قنوات توصيل الرسالة الإعلامية والتوعوية والاستعانة في ذلك بمختلف الفنون الصحفية والتلفزيونية، بما في ذلك "البرامج المتلفزة" التي تحظى بنصيب الأسد من المشاهدة والمتابعة الجماهيرية، فإن الإحصاءات تؤكد استمرار ظاهرة المخالفات والتجاوزات المرورية. صحيح أن استئصال الظاهرة يتطلب مزيداً من الوقت للقضاء على تراكمات طويلة، ونقل "الرسالة" إلى مختلف شرائح السائقين باللغات التي يجيدونها، وصحيح أن أحد أسباب استمرار معدّلات المخالفات والحوادث، يتمثل في تشديد الرقابة وما يعنيه ذلك من تدقيق في مختلف الخروقات، ورصدها بدقة تفوق ما كان يحدث سابقاً، ولكن تفاعلات الأيام الأخيرة كشفت أيضاً عن العديد من الحقائق؛ منها أن هناك حاجة ملحّة إلى التركيز على توعية السائقين الأجانب باللغات التي يجيدونها، والتركيز في ذلك على الجنسيات الآسيوية، بحيث تكون الرسالة المرورية باللغات الأصلية لهؤلاء. والأمر الثاني أن هناك غياباً تاماً لجهات عديدة معنية، أو يفترض أنها كذلك، عن المشاركة في الحملة المرورية، وفي مقدمة هذه الجهات (شركات التأمين)، و(جمعيات النفع العام)، وأيضاً الجهود التطوعية الغائبة تماماً، بحيث باتت المسؤولية بأكملها ملقاة على كاهل الأجهزة الشرطية، وتدعمها في ذلك بعض وسائل الإعلام وليس جميعها. التفاعلات المرورية كشفت أيضاً عن وجود أوهام مرورية سائدة لدى الغالبية، من مثل انتفاء أي دور لقائدات السيارات في التجاوزات، وعدم ميلهنّ إلى خرق القواعد المرورية، ولكن الإحصاءات التي كشفت عنها شرطة دبي، أكدت عكس ذلك، حيث تصدّرت السيدات المخالفات المرورية الخطيرة في شوارع دبي، وكان للسيدات النصيب الأكبر من رخص القيادة الملغاة خلال حملة ضبط المتهوّرين. المشكلة بالطبع ليست في تصنيف المخالفين بحسب الجنس، إلى "نساء" أو "رجال"، ولكن ما نلفت الانتباه إليه، هو أن هناك حقائق مرورية غائبة تستحق الانتباه، لأنها الأساس في صياغة أي رسالة توعوية صحيحة، وتوجيهها نحو الجمهور المستهدَف بشكل يحقق الهدف المرجو. ومن المؤكد أن هناك حاجة إلى تحليل الإحصاءات والبيانات التي تتراكم من خلال أجهزة الرصد المروري في مختلف إمارات الدولة، لاستخلاص العديد من المعلومات التي تحتاجها الأجهزة المعنية في رسم سياساتها والتخطيط للمستقبل، وصياغة الرسائل التوعوية، وانتقاء الجمهور، وتركيز الجهود بشكل مكثف على الشرائح الأكثر تجاهلاً للقواعد والقوانين المرورية. والمؤكد كذلك أن هناك حاجة إلى ترجمة شعار "الأمن مسؤولية الجميع" إلى واقع فعلي. فبخلاف الجهود الملموسة التي تبذلها بعض وسائل الإعلام في الدولة، هناك ضرورة لإشراك (شركات التأمين) في تلك الجهود، باعتبارها طرفاً معنياً بشكل مباشر بالملفّ المروري. وهناك أيضاً حاجة إلى الاستفادة من الدراسات المتخصصة الصادرة عن مراكز البحوث والدراسات الأمنية، حيث تضمنت بعض هذه الدراسات توصيات من شأنها تحقيق السلامة والانضباط المروري، والحدّ من كابوس الحوادث المرورية في مختلف مناطق الدولة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.