تبدو الحياة السياسية التايوانية أحياناً مزيجاً من الأوبرا والرياضة الدموية. والواقع أن هذا التوصيف يصدق بشكل خاص على هذه الفترة؛ حيث تطغى الفضائح والغضب والكذب على الحياة السياسية هنا في تايوان، وتسم فترة حكم الرئيس "تْشين شو بيان" الثانية. "تْشين" الذي كان يطمح ذات يوم ليكون نسخة تايوانية لجورج واشنطن، متهمٌ اليوم بالفساد واختلاس أموال عمومية، حيث يتهمه الادعاء العام بفضيحة تزوير إيصالات، كما يعتزم محاكمة زوجته هذا الشهر. ومن جهته، يواجه "الحزب الوطني" المنافس الذي لاشك أنه مبتهج لمتاعب "تشين"، فضيحة خاصة به، إذ أعلن الادعاء العام أنه يحقق بشأن مرشح الحزب لانتخابات 2008 الرئاسية على خلفية تزوير إيصالات. وكانت صحف تايوان الحزبية حافلة بالعديد من التفاصيل إلى درجة أن الصخب والحدة حجبا الموضوع الأكثر أهمية والمتمثل في أن ديمقراطية الجزيرة الفتية تخضع لاختبار صعب. وفي هذا السياق، يقول "إيميل شينغ"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سوشو: "عندما ننظر إلى السنوات العشر الماضية، نرى أنها تمثل نقطة تحول لديمقراطية تايوان كي تنضج"، مضيفاً: "أما اليوم، فهي وصمة عار وإذلال. إلا أنني أعتقد أنه عندما نجتاز هذه المرحلة الصعبة، فإن الحياة السياسية التايوانية ستصبح أنظف وأكثر شفافية". سياسياً، كانت قوة تايوان الرمزية دائماً تمثل ثقلاً ديمقراطياً مضاداً للصين؛ غير أن الديمقراطية في تايوان مازالت عملية قيد التطور، وقد واجهت تحديات كثيرة خلال فترة "تشين" الرئاسية، لعل آخرها ما وقع في الثالث من نوفمبر عندما أدان مدعٍ عام في العاصمة تايبيه السيدةَ الأولى، وأعلن أيضاً أن "تْشين" الذي لا يمكن أن يُتابع حالياً بحكم الحصانة التي يتمتع بها الرئيس، قد تُوجه إليه تهم بعد مغادرته السلطة. والواقع أنه بالنسبة لجهاز قضائي يُنظر إليه كركن دستوري هش وضعيف، فإنه يمكن القول إن اللحظة كانت تاريخية. وفي هذا الإطار، يقول "هوانغ ييجياو"، النائب المعارض من "حزب الشعب الأول"، وأحد منتقدي الرئيس؛ "إنه دليل قوي على أننا نتوفر على جهاز قضائي نزيه ومستقل"، مضيفاً "إن مبدأ فصل السلطات قد تجذر وتقوى في تايوان". وإضافة إلى ذلك، هناك محاكمة السيدة الأولى "وو شوتشين" في قضية فساد يرتقب أن تبدأ في الخامس عشر من ديسمبر المقبل. يشار هنا إلى أن "تشين" كان قد أعلن اعتزامه التنحي عن السلطة في حال أُدينت زوجته. وستركز محاكمتها على نحو 424000 دولار جمعها الزوجان من صندوق "شؤون الدولة". للحصول على المال، قدم الزوجان إيصالات شخصية حصلا عليها من الأصدقاء والأقارب. وكان "تْشين" أقر في البداية بأنه كذب على ممثلي الادعاء العام بشأن الإيصالات؛ غير أنه أوضح لاحقاً في إطار برنامج تلفزيوني مباشر أن الإيصالات كانت ضرورية لتسجيل الحسابات والمشتريات، وأنها قد مكنته من استعمال أموال الدولة لأغراض الدبلوماسية السرية، والتي لا يمكن تقديم إيصالات لإثبات تكاليفها. ويقول المدافعون عن "تشين"، إنه قبل أن يصل إلى السلطة عام 2000، لم يكن الرؤساء مطالَبين بتقديم الإيصالات عن تصرفاتهم في هذا الصندوق، مضيفين أن ممثلي الادعاء العام لم يقدموا دليلاً على أن "تْشين" استعمل أية أموال لأغراض شخصية. كما يقولون إن عزلة تايوان الدولية الفريدة من نوعها، والتي تتميز بتعايشها المتوتر مع الصين، تجعل من السرية أمراً ضرورياً عندما يريد الرئيس استعمال الدبلوماسية. وفي هذا الإطار، يقول "هزياو ميكيم"، النائب عن "الحزب التقدمي الديمقراطي"، الحليف لتْشين: "إن الشعب والساسة التايوانيين وحدهم من يستطيعون فهم أهمية الحفاظ على الأشياء طي السرية". أما منتقدو "تْشين"، فيقولون إن فضيحة الإيصالات ليست سوى آخر حلقة في ما يصفونه بمسلسل فساد تتورط فيه العائلةُ الأولى. فقد وجه ممثلو الادعاء العام هذا الصيف تهم الغش التجاري إلى صهر "تْشين" في قضية مازالت أمام القضاء. كما تم التحقيق مع السيدة الأولى -التي بُرئت ساحتها- بعد أن تلقت هدايا من إحدى شركات المراكز التجارية الساعية إلى الحصول على موافقة الحكومة على تغيير ملكيتها. وفي ظل هذه الأجواء، بدت تفسيرات "تْشين" حول الدبلوماسية السرية، غير صادقة في أعين منتقديه والجزء الأكبر من الجمهور؛ إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن شعبية الرئيس عرفت تدنياً قياسياً. وقد بلغ استياء الجمهور من مختلف الفضائح التي عصفت بتايوان ذروته الصيف الماضي، عندما نظم رئيسٌ سابق لـ"الحزب التقدمي الديمقراطي" مظاهرات حاشدة في تايبيه دعت إلى استقالة "تشين". والواقع أن المظاهرات عكست حرية التعبير الديمقراطية؛ إلا أن البعض هنا لم يخف خشيته من أن تعم تلك المظاهرات مؤسسات تايوان الديمقراطية مثلما كانت مظاهرات مماثلة وراء "الانقلاب الهادئ" الأخير في تايلاند أو مثلما أطاحت برؤساء في الفلبين. ويقول "أنتونيو شيانغ"، العضو السابق في حكومة "تشينغ"، والذي كان معارضاً في الفترة قبل إرساء الديمقراطية في تايوان؛ "لقد كنا نعتقد أن نجاح المظاهرات ليس من مصلحة الديمقراطية في تايوان"، مضيفاً: "لقد كنا نخشى تكرار سيناريو أحداث تايلاند، غير أنه عندما صدرت الإدانة، سكتت كل هذه المظاهرات على نحو مفاجئ". وأضاف شيانغ قائلاً: "إن الديمقراطية بدون حكم القانون خطيرة جداً. ولذلك فإننا سنعمل اليوم على أن يكون لنا حكم القانون". جيم ياردلي مراسل "نيويورك تايمز" في تايبي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"