مع اقتراب حل الأزمة التي نشأت في الدوائر السياسية والدينية والثقافية والشعبية في مصر، بسبب وصف فاروق حسني وزير الثقافة، للحجاب بأنه تأخر وتخلف، في حديث شخصي مع صحفية شابة تغطي أخبار وزارته بمناسبة ارتدائها الحجاب.. تبلورت قيمتان: الأولى ضرورة احترام الدين، والثانية حرية الرأي والتعبير عنه. إنني أعتقد، من خلال موقفي الفكري القائم على احترام القيمتين، أنه يجب على المفكرين العرب خاصة من المتخصصين في العلوم الدينية، أن يبذلوا جهداً واضحاً لتعريفنا بالحدود الواجب اتباعها لضمان ألا تؤثر إحدى القيمتين على الأخرى. لقد تعرض الوزير في مجلس الشعب المصري لانتقادات حادة، وصلت إلى حد اتهامه بازدراء الدين سواء من جانب نواب الحزب الحاكم، أو من نواب "الإخوان المسلمين". وفي الوقت الذي وقّع فيه عدد بلغ الخمسمائة من الأكاديميين والعاملين في مجال الفكر والثقافة والإعلام، بياناً يطالب فيه باحترام حق الوزير في إبداء رأيه الشخصي في حديث ودي مع زميلة عمل. دون أن يعني هذا تأييد أقواله ومحتواها على الأقل من جانبي، باعتباري أحد الموقّعين على البيان، فلقد لاحظت أن قيمة حرية الرأي والتعبير قد تعرضت لنقد حاد من الوزير الذي ندافع عن حريته في التعبير الشخصي عن رأيه. ذلك أن الوزير في رد فعله على انتقادات أعضاء البرلمان، أدلى بتصريح لعدد من الصحف المصرية قال فيه معلقاً على جلسة البرلمان: "إن جلسة مجلس الشعب كانت أشبه بالجلسة (القمعية) حيث كان الحوار والطرح ضد أي رأي أو حوار.. رأيت أناساً يزعقون وبس، لا أحد يسمع الآخر ولا مجال لقواعد الحوار أو الرؤية أو حرية التعبير". لقد مثل تصريح الوزير بالنسبة لي صدمة حقيقية، ذلك أن وصف آراء أعضاء البرلمان وتعبيرهم عنها بالقمعية، يمثل حكماً قيمياً يعني مصادرة حقهم في حرية التعبير. هنا أرى إشكالية واضحة في حاجة إلى معالجة في سلوك كثير من المثقفين المصريين والعرب، فهم ينادون بحرية الرأي عندما يتصل الأمر بأنفسهم، وفي ذات الوقت يرفضون هذه الحرية عندما تمارس ضد آرائهم. إن المنادين بالليبرالية على الأقل في مجال حرية التعبير، في حاجة إلى مراجعة القواعد التي يحكمون على أساسها على ممارسة هذا الحق. في ذات الوقت لاحظت أن رئيس مجلس الشعب، وهو أستاذ قانون مرموق، يعتبر بحكم موقعه قائماً على صون الحق في حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لكافة المصريين، قد أدلى بتصريح من على منصة رئاسة البرلمان تداولته الصحف يثير في ذهني نفس الإشكالية المشار إليها. لقد قال رئيس المجلس في معرض تعليقه على البيان المشار إليه سلفاً، الذي وقعّه المثقفون ما يلي: "إنني أرفض من سموا أنفسهم المثقفين ووقعّوا بياناً يدافعون فيه عن الوزير، لأن الثقافة ليست حكراً على فئة بعينها، فكلنا مثقفون ولا توجد فئة بعينها تدعي لنفسها هذا الحق وحدها". إن هذا الرفض الحاد لحق خمسمائة من المشتغلين بالعلم والثقافة والصحافة والفنون في التعبير عن رأيهم، يؤكد مرة أخرى أننا بصدد معضلة حقيقية تحتاج إلى معالجة متواصلة وحوار متصل، لنصل إلى وضع يصبح فيه حق الرأي وحرية التعبير عنه موضع توافق واحترام للنفس وللآخرين بنفس الدرجة. لقد أكدت في مقال بالصحافة المصرية، أن موقفي الشخصي يقوم على احترام حق المحجبة في ارتداء حجابها والالتزام بدينها، وفي ذات الوقت أكدت حق أعضاء مجلس الشعب في التعبير عن انتقاداتهم لموقف الوزير من مسألة الحجاب وخاصة أنه سمح للصحفية بنشره كما أفادت في مقال لها. كذلك بينت أن حق التعبير للمثقفين يجب أن يبقى مكفولاً، فلم يدّعِ أحد الموقعّين على البيان أنه يحتكر لنفسه صفة المثقف، وبالتالي فإن من حق جماعة أخرى من المثقفين أن تصدر بياناً تعارض فيه البيان الأول وتناقضه بالحجة دون الوصول إلى رفض أصحابه. إن الحالة الفكرية في مصر وفي العالم العربي فيما يتصل باحترام قيمة احترام الدين وقيمة احترام حرية التعبير، في حاجة إلى مساهمات أوسع تضيء الطريق وترسم الحدود الضامنة للقيمتين وهي مهمة مُعقدة بالفعل.