ظل إسماعيل خان، وزير الطاقة والمياه الأفغاني يستمع لحوالى ساعة من الزمن لموظفيه في الوزارة وهو يبثونه شكاويهم من الصورة المزرية التي وصلتها إدارتهم بعدما أصبح ينظر إليها في أعين الناس على أنها مُقصِّرة وغير فعالة، فضلاً عن اتهامات الفساد التي توجه باستمرار إلى موظفيها. لكن إسماعيل خان الذي بدا عليه الهدوء والاتزان، رغم عدم ارتياح موظفي الوزارة، لم يزد في رده على قوله: "إنها أكاذيب لا أساس لها من الصحة". وبهذه العبارة يكون الأمر قد انتهى بالنسبة لوزير الطاقة والمياه بنفس الطريقة الصارمة والسريعة التي كان ينهي بها الأمور عندما كان أحد أمراء الحرب مرهوبي الجانب في هيرات، حيث كانت كلماته قانوناً واجب التطبيق. غير أن إسماعيل خان الذي كان من أمراء الحرب في السابق، هو أيضاً موظف عمومي رفيع المستوى في زمن السلم. ومع أن هندامه التقليدي يضفي عليه صورة الباشا القادم من الماضي، إلا أن مكتبه لا يخلو من خرائط جديدة توضح شبكة الكهرباء في العاصمة كابول. وكان الأفغان يتوقعون أن تتحسن أمورهم بعد دخول قوات "التحالف الشمالي" بدعم أميركي إلى كابول والإطاحة بنظام "طالبان" قبل خمس سنوات، لكن الكهرباء مازالت ترفاً يصعب تأمينه للعديد من المنازل في قلب العاصمة. ورغم الملايين من الدولارات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى السلطات في أفغانستان لضمان توفير الكهرباء، فضلاً عن الوعود بإحراز تقدم وشيك مازالت وزارة إسماعيل خان عاجزة عن تأمين أكثر من ساعتين من الكهرباء المتواصلة في كابول، كما أن 90% من مناطق البلاد المختلفة تعيش في ظلام دامس. ويعتبر إسماعيل خان نفسه مثالاً حياً على التحول الذي طرأ على أفغانستان بعد الحرب الأهلية وسقوط "طالبان"، حيث انتقل من مقاتل يترأس ميليشيا قوية إلى موظف عمومي، أو ما يشبه رجل الدولة. فقبل خمس سنوات أعلن الرئيس الأفغاني حميد قرضاي انتهاء عصر أمراء الحرب ودخول مرحلة الدولة. وقد سعى بدعم من الولايات المتحدة إلى إقناع أمراء الحرب السابقين بإلقاء السلاح والمشاركة في بناء الدولة من خلال تولي مناصب الحكام في المحافظات والوزارات المختلفة لتأمين احتياجات الناس. لكن رغم إعلان قرضاي انتهاء عصر أمراء الحرب، فإنهم مازالوا أقوى الفاعلين السياسيين في البلد، لاسيما أن بعض الميلشيات ظلت محتفظة بسلاحها طيلة الفترة السابقة مستفيدة من تجارة الأفيون واستمالة رجال الشرطة إلى صفها. ويدرك إسماعيل خان كما باقي أمراء الحرب السابقين أنهم قادرون على إعادة بناء ميلشياتهم مجدداً، دون أن تطالهم يد القانون. وحسب مسؤولين تابعين للأمم المتحدة والمانحين الدوليين يعتبر "كريم خليلي" أمير الحرب السابق أحد أبرز معرقلي برنامج الأمم المتحدة الرامي إلى نزع سلاح الميلشيات ودمجها في قوات الشرطة والجيش. وكريم خليلي هو زعيم أقلية "الهزارة" ونائب الرئيس قرضاي الذي يقف في طريق نزع سلاح مليشياته الخاصة التي كانت تأتمر بأوامره إبان الحرب الأهلية. واللافت أن نائب الرئيس هو أيضاً مدير برنامج الأمم المتحدة لنزع سلاح الميلشيات في أفغانستان، وهو البرنامج الذي قدر الخبراء العاملون فيه وجود أكثر من ألفي مجموعة مسلحة غير شرعية يتراوح عدد أفرادها ما بين 180 إلى 200 ألف مسلح. وتستفيد تلك الجماعات المسلحة من تجارة الأفيون المنتعشة في أفغانستان، فضلاً عن عمليات الابتزاز وفرض الإتاوات في المناطق التابعة لنفوذهم لتمويل عملياتهم وضمان تدفق السلاح. ورغم الجهود التي تبذلها الحكومة المركزية بقيادة الرئيس قرضاي للتخلص من الأسلحة غير الشرعية بمساعدة قوات التحالف، فإنها تظل عاجزة في وجه الميلشيات، لاسيما وأن قوات الجيش والشرطة مازالت دون المستوى المطلوب. وقد انتهت محاولة قامت بها مؤخراً الأمم المتحدة لنزع السلاح غير الشرعي في بعض المحافظات إلى فشل ذريع، حيث لم يتم جمع سوى كميات قليلة منه بعدما رفض المسؤولون المحليون ورجال الشرطة تقديم أية مساعدة للأمم المتحدة، وعندما طُلب تدخل الرئيس قرضاي لحل المشكلة تلقت الأمم المتحدة من أحد المسؤولين في مكتبه رداً سلبياً، إذ قال لهم "نحن لا نستطيع مساعدتكم، اعتمدوا على أنفسكم". ويقول إسماعيل خان، وزير الطاقة والمياه الأفغاني ومعه كريم خليلي، نائب الرئيس بأنهما ملتزمان بنزع السلاح لكنهما يواجهان تركة ثقيلة من مخلفات الحرب الأهلية التي دامت عقدين من الزمن، فضلاً عن العمليات الإرهابية التي تمارسها حركة "طالبان في المناطق الجنوبية من البلاد. وفي حوار أجري مع "كريم خليلي" بقصره في كابول اعترف بسيادة جو من عدم الثقة إزاء الجهود التي تقوم بها الحكومة قائلاً "كان الناس يتوقعون من الحكومة أداء أفضل في تأمين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء وغيرها، لكن مع تصاعد العمليات العسكرية التي تقوم بها طالبان تبيَّن أن الحكومة فشلت في أداء واجبها تجاه الشعب". ويقر "كريم خليلي" أيضاً بالقيود المفروضة عليه كنائب للرئيس، حيث يقول "في السابق عندما كنتُ أتزعم الميليشيا كانت الأمور أسهل، إذ يكفي أن أوجِّه أمراً لينفذ، أما اليوم فأسلوب الحكم مختلف". ولعل الحاجة الأكثر إلحاحاً اليوم في كابول بالإضافة إلى الأمن هي تأمين الكهرباء، حيث مازال أغلب الأهالي القادرين يعتمدون على مولدات خاصة للحصول على الكهرباء، بينما تغرق المناطق الفقيرة في ظلمة حالكة. ومن المتوقع أن تسوء الأمور أكثر عندما ستوقف الوكالة الدولية للتنمية الخارجية التابعة للولايات المتحدة مساعداتها المالية للحكومة الأفغانية لتأمين الكهرباء، وتجمد مياه الأنهار التي تعتمد عليها أفغانستان في توليد الكهرباء. مراسل "لوس أنجوس تايمز" في أفغانستان ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"