في وقت مبكر من صبيحة أحد أيام الآحاد في شهر يونيو الماضي، ظهرت رسالة نصية على الهاتف النقال للسيد "كايودي فاييمي". كان نص تلك الرسالة كالتالي: "بما أنك لا تزال تواصل معارضة المحافظ فايوزي فإننا سنقتلك"، التوقيع "سرية إم- فايوزي". و"فايوزي" الذي تشير إليه الرسالة كان في ذلك الوقت هو محافظ ولاية "آدو أكيتي" النيجيرية، وهو رجل معروف بفساده وانتهاكه للقوانين. وقد حاول "فاييمي" الذي كان قد رشح نفسه لتولي منصب المحافظ في هذه الولاية الصغيرة الواقعة جنوب غرب نيجيريا، تجاهل تلك الرسالة متظاهراً بعدم الاهتمام بما جاء فيها. ولكن إذا ما كان هناك شك قد ساوره بشأن هوية تلك السرية، فإن ذلك الشك قد تبدد بعد ذلك التاريخ بستة أسابيع عندما عثر على مرشح آخر لمنصب المحافظ يعمل مستشاراً في البنك الدولي مقتولاً في سريره طعناً بالسكين وضرباً بالهراوات. والمنصب الحكومي في هذه الولاية النيجيرية الصغيرة -يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة من إجمالي عدد سكان نيجيريا البالغ 130 مليون نسمة- والفوائد التي يمكن جنيها من خلاله مغرٍ جداً إلى الدرجة التي تبرر الفساد والقتل المنتشرين على نطاق واسع. فمن بين محافظي الولايات النيجيرية الـ36 هناك 31 محافظاً يخضعون للتحقيق الآن بواسطة الأجهزة الفيدرالية للاشتباه في ارتكابهم ممارسات فساد. ومن بين هؤلاء خمسة "محافظين" تم توجيه اللوم إليهم وإدانتهم بالفعل ومنهم "فايوزي" نفسه الذي اختفى عن الأنظار منذ شهر أكتوبر الماضي. هذه هي الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في نيجيريا منذ أن انتقلت من نظام الحكم العسكري إلى الحكم المدني منذ سبع سنوات.. فعلى الرغم من بعض الإصلاحات التي أدخلها الرئيس الحالي "أوليسيجون أوباسانجو" وخصوصاً في مجال محاربة الفساد وتحسين الأحوال الاقتصادية فإن الأحوال لم تتغير على النحو الذي كان يأمله النيجيريون. وقد قام معهد "أفرو باروميتر" لقياس اتجاهات الرأي العام باستقصاء لآراء السكان تبين منه أن خمسة وعشرين في المئة من النيجيريين هم فقط الذين يعربون عن رضاهم عن الديمقراطية في بلادهم بعد أن كانت تلك النسبة 84 في المئة عام 2000 عندما كان النيجيريون لا يزالون يتذوقون نشوة الديمقراطية بعد سنوات الحكم العسكري. وانخفاض درجة الثقة في الديمقراطية يبدو ملحوظاً بشكل خاص على مستوى الولايات والمحليات، حيث تسود الصراعات الدموية على السلطة ويفوز المنتصر بكل شيء ولا يترك شيئاً للمنهزم. وفي هذا المقام تقول السيدة "سولا آديي" عضو الجمعية الوطنية النيجيرية: "إن السياسيين الجشعين يقتلون مواطنيهم من خلال سرقة الأموال التي كان يجب أن تتوجه للرعاية الصحية وتوفير مياه الشرب النقية وتوفير الخدمات". ومن المقرر أن تعقد نيجيريا انتخاباتها المقبلة في شهر أبريل من العام القادم لاختيار الرئيس والمحافظين وأعضاء البرلمان وذلك في ثالث سباق انتخابي يجري في البلاد منذ تحولها إلى النظام المدني الديمقراطي بعد 16 سنة من الحكم العسكري. وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك عدة شهور قبل أن يتم عقد تلك الانتخابات، فإن الفوضى السياسية والعنف قد بدآ ينتشران تدريجياً في البلاد منذ الآن مما أسفر عن قتل العشرات. وإذا ما نجح الرئيس "أوباسانجو" الذي يحول الدستور دون ترشحه لولاية جديدة في نقل السلطة إلى رئيس منتخب في الربيع القادم، فإن هذه المرة ستكون هي الأولى التي يتم فيها نقل السلطة من حكومة مدنية إلى حكومة مدنية أخرى في هذه الدولة الأفريقية العملاقة، وهو ما سيعزز من مركزها وسط عائلة الديمقراطيات النامية، ويساعد بالتالي على تحقيق الاستقرار في هذا الجزء المضطرب من الكرة الأرضية. أما إذا ما أخفقت الانتخابات -وهناك مؤشرات على أن هذا هو ما سيحدث نظراً للفوضى السياسية السائدة حالياً والتأخر في إعداد قوائم الناخبين- فإن المراقبين السياسيين للشأن النيجيري يخشون من حدوث عدد من التطورات وتبلور عدد من الاحتمالات القاتمة، ومنها احتمال تدخل العسكريين واستيلائهم على السلطة، وهو ما سيعود بالبلاد إلى عهد الاستبداد والديكتاتورية مرة أخرى. ففشل تلك الانتخابات ستكون له تداعيات واسعة النطاق خصوصاً إذا ما أخذنا عدد سكان نيجيريا الكبير في الاعتبار، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أيضاً أنها تعتبر خامس أكبر مورِّد للنفط للولايات المتحدة الأميركية، وأنها المحور السياسي الاقتصادي والاجتماعي الذي تتمركز حوله التوازنات في منطقة غرب أفريقيا. والسيد "فاييمي" المرشح لمنصب المحافظ في هذه الولاية، والذي أمضى معظم سنوات عقد التسعينيات في المنفى حيث كان من كبار المعارضين للحكم، والذي عاد إلى الوطن محمَّلاً بالشهادات العلمية والإنجازات الدولية، يحاول في الوقت الراهن أن يشق طريقه في المشهد السياسي المحلي وتغيير الثقافة السياسية السائدة هنا. وهو يمتلك شبكة علاقات دولية ممتازة منها علاقاته بشخصيات مشهورة من أهمها رجل المال الأميركي الشهير جورج سوروس. وقضاء بعض الوقت مع "فاييمي" أثناء حملته الانتخابية عبر مختلف مناطق نيجيريا، أتاح لي ملامسة طريقة ممارسة الديمقراطية وكيف تعمل في الواقع في نيجيريا. فمحافظو الولايات النيجيرية هم في حقيقة الأمر أمراء في نظام سياسي يكافئ السلطة السياسية ولا يفعل شيئاً من أجل الحد من الفساد. فهؤلاء المحافظون يستلمون كل شهر شيكاً من الحكومة الفيدرالية يعادل ما تعتبره تلك الحكومة نصيب كل ولاية من عوائد البترول. وبعد استلامهم لتلك الشيكات فإنه لا توجد أي آلية للتأكد من الطريقة التي يقوم هؤلاء المحافظون بإنفاق تلك الأموال وفقها. فهذه الأموال التي يفترض أن يتم إنفاقها على تحسين الخدمات الأساسية وتوفير احتياجات السكان من المدارس والطرق والمراكز الصحية والمياه الجارية، تتم عادة سرقتها بواسطة المحافظين الذين يستخدمونها في شراء الولاءات وتوزيعها على الأقارب والمحاسيب، وعلى كل ما يدعم بقاء هؤلاء المحافظين في السلطة. والشيء اللافت أن الناخبين المحليين في ولايته يتوقعون أن يقوم "فاييمي" هو الآخر بتوزيع الأموال عليهم حتى يتمكن من الحصول على المنصب حيث إن هذه الآلية بالإضافة إلى العنف هي التي تحسم الموقف عادة في الانتخابات النيجيرية. وفي الحقيقة أن "فاييمي" ينفق بسخاء على حملته الانتخابية حيث قام بتوزيع رزم من العملة النيجيرية في صورة هبات للمنظمات المحلية التابعة لحزبه. ويتوقع "فاييمي" أن الفوز بتلك الانتخابات سيتطلب منه إنفاق مبلغ قد يصل إلى 4 ملايين "نايرا" وهو مبلغ قام بجمعه من الحلفاء والأصدقاء في نيجيريا، وكذلك من أصدقاء له في الغرب. وعلى الرغم من أن هذه هي الطريقة التي تجري بها الأمور في الديمقراطية النيجيرية.. وعلى الرغم من أن "فاييمي" يقول إنه ليس مرتاحاً لدفع تلك الأموال، إلا أنه مضطر إلى ذلك فالغاية كما يقول تبرر الوسيلة، والمهم هو وصوله إلى منصب المحافظ. فبعد وصوله يمكنه -كما يقول- أن يقوم بتغيير الثقافة السياسية السائدة، والمهم أن يتم انتخابه أولاً. مراسلة "نيويورك تايمز" في نيجيريا ـــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"