إن في تفادي الهزيمة في العراق، مصلحة قومية حيوية لا مناص منها، بالنسبة لكل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. وفيما لو جرى تعزيز وحفز القدرات القتالية الكامنة لأعدائنا المتربصين بنا، فإن العواقب المترتبة عن ذلك، ستخيم علينا لمدة طويلة بعد أن تذوي من الصحف والنشرات الإخبارية تلك العناوين الداعية لانسحابنا من العراق. ومع ذلك، فإن أياً من الولايات المتحدة وبريطانيا لم يُقدم على وضع سياسة شاملة بشأن العراق بعد. وما لم تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون على وضع تصور من شأنه حشد كل الطاقات والموارد القادرة على تحقيق الاستقرار في العراق، فإنه لن يكون هناك أي معنى البتة لمهمتنا هناك، في وقت يجمع فيه كافة المراقبين للأوضاع، على تدهورها المطرد وانزلاقها نحو الهاوية كل يوم. وعليه وفيما لو لم نوفر بديلاً آخر للسياسات المتبعة الآن، فإن من الأفضل لنا أن ننسحب ونحدَّ من حجم وفداحة خسارتنا الحالية. وإنه لمن واجبنا أن نساعد الساسة العراقيين، على تقديم وحدة بلادهم على أولوياتهم الطائفية. وينبغي على الحكومة العراقية أن تدير حواراً ومحادثات حتى مع أقبح اللاعبين الأساسيين من دول الجوار، لما لهم من نصيب في حل مأزق بلادهم الراهن. وباستثناء تلك القوى المتطرفة التي ليست لها أدنى مصلحة في وحدة العراق ولا استقراره، من أمثال تنظيم "القاعدة" وما إليه، فإنه يجب مشاركة الجميع في هذه العملية السياسية الرامية للخروج من المأزق الحالي. كما يجب حل كل المشكلات والخلافات المتصلة بالدستور الفيدرالي، وبتوزيع الموارد الاقتصادية الوطنية، وكذلك بدور المليشيات غير الرسمية وغيرها، في اتجاه الحفاظ على وحدة العراق أولاً وقبل كل شيء. وعلى زعماء الطوائف والقادة السياسيين، الإصرار على احتكار الدولة وحدها لاستخدام القوة المسلحة. وفيما لو رفض هؤلاء، وغادرت قوات التحالف أراضي بلادهم، فإن عليهم أن يدركوا جيداً أن بقاءهم هم أنفسهم سيكون مهدداً، جراء الفوضى التي ستعقب الانسحاب. كما يجب تحميل الجيش العراقي القسط الأكبر من الوزر والمسؤولية، شريطة أن يغتنم التحالف الفرصة الملائمة لتسليحه وتجهيزه كما ينبغي. ولا يزال الجيش العراقي يحتفظ بسمعته ومكانته في أوساط غالبية العراقيين، باعتباره المؤسسة الأمنية الوطنية الأرفع، والأقل عرضة للفساد والاختراق الطائفي حتى الآن. وعليه فإن من الواجب اختبار الجيش الوطني العراقي في مهام حفظ الأمن في الشوارع والمدن العراقية، في مقابل تخفيض المهام الأمنية التي تضطلع بها قوات التحالف الدولي حالياً، أو ربما خفض عدد هذه القوات نفسها. فتلك مخاطرة تستأهل النظر فيها وأخذها بعين الاعتبار. فإذا ما فشل الجيش العراقي في مهمته هذه، واضطرت قوات التحالف الدولي للانسحاب، فإنه لن يكون مرجحاً بقاء أي جيش وطني هناك. وبسبب المجازر التي يشهدها العراق اليوم، فإنه لابد له من مواصلة تلقي الدعم الاقتصادي الخارجي، على أن تكون الأولوية للوظائف وقطاع الطاقة والبنية التحتية. ومن المعلوم أن النفط هو الأداة المادية التي يمكن بها تحقيق استمرار وحدة أجزاء العراق وتماسكها. أما رفع تأهيل توليد الطاقة وتوزيعها، فإن في وسعه إقناع العراقيين، بأنهم مبشرون بغد أفضل من حاضرهم. كما أن إنشاء شركة نفط وطنية يكون هدفها الوحيد والمباشر هو العمل لصالح الشعب العراقي، وليس لصالح نخبة أو طائفة ما، من شأنه أن يمثل رمزاً قوياً ومؤثراً باتجاه بناء الوحدة الوطنية. وفي الوقت ذاته، يجب توفير ما يكفي من القوات الأمنية لحماية المنشآت والمرافق الإنتاجية، مثل محطات الطاقة ومصافي النفط وغيرها، حتى يتعذر على المخربين تدمير هذه المنشآت وتخريبها. ويجب أن يتسق الاستثمار الدولي في هذه النتائج الإيجابية مع ما يتحقق من تقدم سياسي داخلي، شريطة أن تتسع دائرة المساهمين في هذا الجهد العالمي، قياساً إلى ضيق هذه الدائرة الآن. والسؤال الذي نطرحه هو: كيف لهذه العناصر أن تتصل جميعها مع بعضها بعضاً؟ أما الإجابة فهي أنه لا سبيل لأي منها أن يثمر دون ارتباطه بالعوامل والعناصر الأخرى. ولنعلم أن استراتيجية الهرب من المأزق عن طريق تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق طائفية وعرقية، لن تجدي فتيلاً، وأن الانعدام الشامل للأمن، لا يفضي إلا إلى الانهيار الشامل في نهاية الأمر. ومن هنا فإنه يتعين على الولايات المتحدة الأميركية، أن تلعب دوراً قيادياً بصفتها الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم، وتدعو لعقد مؤتمر دولي إقليمي، يضع في اعتباره البعدين الداخلي والإقليمي للمأساة العراقية، ويكون همه الرئيسي هو الحفاظ على أمن الخليج. ويجب دعوة كافة الدول المجاورة للعراق، بما فيها إيران لهذا المؤتمر، إضافة إلى مشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، باعتبارها راعية لهذا المؤتمر. وعلى الولايات المتحدة أن تقود هذه المبادرة التي يكتنفها الكثير من التحديات والمصاعب. لكن وعلى رغم ذلك، فإنه لا يزال أمام الولايات المتحدة تحقيق نجاح كبير في مسعى إقليمي دولي كهذا. على أنه ينبغي أن تدرك واشنطن سلفاً، أنها إذا ما حاولت فرض إرادتها وهيمنتها على مؤتمر بهذه الصفة والأهداف الجماعية المشتركة، فإنه لن يحقق الغاية المنشودة منه. ولذلك فإن عليها أن تتراجع نوعاً ما، وأن تضع يدها مع الآخرين من أجل إيجاد مخرج جماعي للأزمة. ــــــــــــــــــــــــــ المبعوث البريطاني الخاص للعراق خلال عامي 2003- 2004 ــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"