انحصرت أغلبية الدول العربية في تقرير التنمية البشرية لعام 2006 الصادر مؤخراً من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ضمن خانة الدول متوسطة التنمية البشرية، بينما اقتصر عدد الدول العربية التي صنفت ضمن الدول المحققة لمستوى تنمية بشرية عالية، على خمس دول عربية جميعها خليجية، وبينها الإمارات التي حلت رابعة في هذا الترتيب، بعد أن تأخرت ثماني مراتب في غضون سنة واحدة فقط، لتتراجع إلى المرتبة 49 على مستوى العالم، وبعد أن كانت تتصدر جميع الدول العربية خلال تقرير العام الماضي. اعتمد مؤشر التنمية البشرية في هذا التقرير على ثلاثة معايير في تقييمه للدول وهي أولاً العمر المتوقع عند الولادة، وثانياً نسبة المتعلمين، وثالثاً نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، واستطاعت دولة الإمارات أن تتصدر الدول العربية في المعيارين الأول والثالث، حيث بلغ متوسط عمر الفرد في الإمارات 81 سنة، بينما تجاوز متوسط دخل الفرد 24 ألف دولار. إن افتراض واقعية التقييم في هذا التقرير، الذي يعد أهم وثيقة دولية في مجال تنمية الموارد البشرية، يعني حقيقة واحدة هي أن دولة الإمارات لم تتمكن من مسايرة إيقاع التنمية البشرية المتسارع على المستوى العالمي ولا حتى الإقليمي، وأن الجهود التي بذلتها الجهات المعنية بالتنمية البشرية في الدولة لم تكن كافية لتضمن للإمارات صدارتها لدول المنطقة، خاصة وأن فوارق الترتيب بين الدول الخليجية المتصدرة كانت متقاربة جداً. فرغم استمرار وجود الإمارات ضمن الشريحة العليا للتنمية البشرية في العالم، فإن أوضاع التنمية البشرية في 48 دولة بالعالم هي اليوم أفضل من الإمارات، بحسب هذا التقرير، كما أن أوضاع التنمية البشرية في الإمارات لا تتناسب مع ما توفره الدولة من إمكانيات، ولا يمكنها بأي حال أن تلبي طموحات دولة تشهد حالة من التنمية الشاملة والازدهار هي الأفضل بين الدول العربية. إن هذا الواقع يعكس فجوة كبيرة بين خطط التنمية البشرية ونماذج التنمية القائمة في الدولة، ما يحتم ضرورة التفكير في المستقبل والتطلع إليه، والبحث عن الوسائل والآليات التي تضمن لدولة الإمارات مراكز أكثر تقدماً في الشريحة العليا ضمن مؤشر التنمية البشرية في العالم، بعد أن فرض مصطلح التنمية البشرية نفسه في الخطاب الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم بأسره خاصة منذ بداية التسعينيات، بينما لعب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية دوراً بارزاً في نشر وترسيخ هذا المصطلح. إن التحديات المستقبلية في ميدان التنمية البشرية تتطلب تضافر الجهود كافة، من خلال التنسيق بين السياسات الاقتصادية والتعليمية والصحية والسكانية، بما ينسجم مع خطط استراتيجيات التنمية الشاملة، وبالتعاون بين مختلف الوزارات والمؤسسات والجمعيات الحكومية المعنية بتنمية الموارد البشرية، بالإضافة إلى القطاع الخاص باعتباره قاطرة التنمية في الاقتصاد الحديث. فالرهان على القطاع الخاص كلاعب محوري في خطط التنمية البشرية المستقبلية لم يعد رهان دولة بعينها، بل هو توجه عالمي ثبت نجاحه بالفعل كمحرك للاقتصادات المتقدمة. إن استراتيجيات التنمية الشاملة في عالم اليوم، وإن كانت تقودها الدولة أو تشرف عليها أو تنظمها وتضع أطرها القانونية، فإن هناك العديد من الجهات التي تشارك في تنفيذها وتسهم بوسائل مختلفة في تحقيق أهدافها من منطلق المسؤولية الجماعية عنها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.