يبدو أن لبنان -والمنطقة العربية- ينزلق بسرعة نحو اللامعروف بعد اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيار الجميل حيث شهدت بيروت تظاهرة ضخمة يوم الخميس عشية تشييع الوزير الجميل، وقد اتهم العديد من السياسيين اللبنانيين سوريا وإيران بارتكاب جريمة الاغتيال. ورغم دعوات المسؤولين اللبنانيين إلى عدم الانتقام وضبط النفس والتحلي بالصبر.. إلا أن احتمال الاقتتال في لبنان مرة أخرى أمر وارد. اشتداد العنف الطائفي في العراق وتزايد أعداد القتلى الأبرياء من المدنيين يطرح تساؤلات حول الإدارة الأميركية وعزيمتها على إجراء حوار مع سوريا وإيران؟ ما الهدف الأميركي من هذا الحوار؟ وهل يمكن الوثوق بأن إيران وسوريا ستتعاونان مع الولايات المتحدة لإحلال السلام في العراق؟ وهل ستدفع دول الخليج العربية، ولبنان، ثمن الحوار الأميركي- الإيراني والسوري؟ ما هو الغرض أو الهدف الأميركي من الحوار خصوصاً وأنها كدولة عظمى تتحاور مع نظام قومي في سوريا، ونظام ديني تصفه بالتطرف في إيران؟ هنالك تناقض واضح في المصالح بين الطرفين المتحاورين.. فالولايات المتحدة لها مصالح معلنة في العراق.. فهي تريد تطوير هذا البلد واستقراره وتنميته بحيث يكون نموذجاً للديمقراطية في المنطقة.. بينما إيران لها مصالح مختلفة في العراق فهي الدولة الكبرى المجاورة للعراق، ومن مصلحتها ضمان وجود نفوذ سياسي واقتصادي وديني في بلاد الرافدين. فإيران لا تريد تكرار حربها مع العراق إبان حكم صدام حسين، لذلك سعت طوال السنين السابقة إلى تدريب بعض المليشيات العراقية الشيعية في إيران، وكانت من أبرزها جماعة الحكيم و"قوات بدر". واليوم إيران لديها نفوذ مع مقتدى الصدر و"جيش المهدي" وواضح جداً أنها هي الدولة المستفيدة الكبرى من التغيرات في العراق. وقد ساعدت الإدارة الأميركية إيران عن طريق فتح المجال لها لزيادة نفوذها في بغداد.. لذلك لا غرابة من شعور السياسيين الإيرانيين بأنهم يملكون القوة والنفوذ في المنطقة رغم التواجد الأميركي فقد زاد نفوذهم ليشمل العراق وسوريا ولبنان و"حماس" في فلسطين المحتلة. سوريا من جانبها تحاول الخروج من عزلتها الدولية بسبب مواقفها في العراق ولبنان وفلسطين.. والقيادة السورية تشعر بأن الحوار مع الولايات المتحدة في هذه المرحلة يصب في مصلحة سوريا.. فسوريا تريد أن تلعب دوراً جديداً في المنطقة يتيح لها انسحاب القوات الإسرائيلية من الجولان والوصول إلى حل معقول حول المحكمة الدولية في لبنان. كما أن دمشق بدأت فعلياً الضغط على "حماس" لقبول مبدأ الحكومة الوطنية.. يخطئ من يظن أن الولايات المتحدة قد تخلت عن العراق أو لبنان لصالح سوريا وإيران. فالولايات المتحدة أعلنت أن الحوار لن يبدأ مع سوريا وإيران إلا بعد أن تغير طهران ودمشق سلوكهما. فقد أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية "توم كيس" أن واشنطن قلقة من حقيقة أن طهران تطلق تصريحات إيجابية عن رغبتها في لعب دور إيجابي في العراق، وفي نفس الوقت تتخذ خطوات سلبية والشيء ذاته ينطبق على سوريا. أما الأوروبيون فيرون أنه لا فائدة من الحوار مع سوريا إذ يلاحظ عدم وجود أي إشارات إلى أن دمشق مستعدة لتغير سلوكها لا في العراق ولا في لبنان ولا في فلسطين. إن الحوار بين إيران والولايات المتحدة لن ينجح طالما أصر الجانب الأميركي على إبقاء المناقشات ضمن إطار المسألة العراقية فيما ترى طهران أن الحوار فرصة لطرح القضايا العالقة بين البلدين خصوصاً العلاقات بين البلدين ومستقبل التسلح النووي الإيراني. لكن ماذا عن دور دول الخليج العربية من هذا التحاور بين الولايات المتحدة وإيران وسوريا؟ حتى هذه اللحظة لا يوجد موقف خليجي موحد حول نتائج الحوار لكن هنالك مخاوف خليجية من أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً مع إيران على حساب دول الخليج العربية، خصوصاً وأن دول الخليج لم توحِّد موقفها ولم تنسق سياساتها مع الدول العربية الشقيقة لمواجهة النفوذ المتزايد لإيران في المنطقة. هذه الدول ضعيفة ولا تملك رؤية مشتركة موحدة وتركت كل أوراقها بيد واشنطن مما يزيد من مخاوف هذه الدول من الحوار الدائر بين واشنطن وطهران. د. شملان يوسف العيسى