سألتني ابنتي الكبرى البالغة من العمر ثلاث عشرة سنة، متى أتحجَّب: هل أتحجَّب بالثانوية أم أتحجَّب بالجامعة؟ فأجبتها بالحرف: "مو شغلي، المسألة تعود لكِ من أساسها، فأنا لا يهمني ما تضعينه على رأسك، ولكن ما يهمني هو ما تضعينه داخل رأسك"... وصلت الرسالة وانتهى النقاش. أختلف مع وزير الثقافة المصري فاروق حسني بأن الحجاب عودة للوراء، وأختلف معه بضرورة إجبار زوجته -لو كان متزوجاً- على نزع الحِجاب، فالحجاب بحد ذاته لا يؤدي إلى التخلف، ولكن التفكير الخاطئ هو ما يؤدي إلى التخلف، وأختلف مع فرض نزع الحجاب، تماماً مثلما أختلف مع فرض لبسه. لكن ما قاله السيد الوزير قاله قبله كثيرون، منذ ستينيات القرن الماضي، ولم تكن ردود الأفعال بالحدة التي واجهها فاروق حسني، فالرجل قال رأياً، وأكد بأن رأيه لم ينطلق من فتاوى دينية، فهو ليس بمفتٍ، وهو حرٌ فيما يقول، ومن يختلف معه حر في مبدأ الاختلاف، ولكن الطريقة التي تم بها الاختلاف خرجت عن المقبول والمعقول، وكأن الرجل يسير في شوارع القاهرة ويرفع الحجب عن النساء! الاختلاف مع فاروق حسني إرهاب فكري مارسه المتطرفون من مصر إلى الكويت، ومن أفغانستان حتى لندنستان. الأخيرة يدور فيها جدل حول لبس النقاب، وفي هولندا تجري مناقشة تطبيق قانون يمنع النقاب في الأماكن العامة، ومن لا يعجبه فليمكث في بيته، أو فليغادر إلى حيث يمكنه الخروج منقباً. بالمناسبة، فإن منع النقاب ليس مؤامرة صليبية تقودها هولندا ضد الإسلام، فقد سبق للبرلمان الكويتي الذي يهيمن عليه التيار الديني أن أصدر قانوناً يمنع قيادة المرأة للسيارة وهي مرتدية النقاب، وذلك بعد أن تكاثرت ظاهرة ارتداء النقاب من قبل المجرمين، بل وبعض الإرهابيين. طبعاً لم يتم تطبيق القانون، لأن التيار المتطرف خارج البرلمان الكويتي لا يؤمن بالقوانين "الوضعية"، ولا يلتزم بها إن كانت تخالف تفاسيره المتطرفة وفهمه المتشدد للدين. المُحزن والمُخجل معاً أن حزب الوزير حسني -"الحزب الوطني الديمقراطي" العلماني الحاكم- انضم إلى حفلة الزار وضرب الطار انتهازية ومزايدة، وراح -كما "الطالبانيين"- يطالب برأس الوزير. تبعات تصريحات فاروق حسني تعكس أجواء الإرهاب الفكري الذي يسود عالمنا، وتعكس الخوف من التطرف الذي يمارس الإرهاب وهو خارج السلطة، فكيف لو كان ممسكاً بتلابيبها؟ ما جرى لفاروق حسني يدفع الواحد منا إلى التفكير بما يمكن أن تؤول إليه الأمور لو كان "الطالبانيون" يحكمون القاهرة لا قدر الله، فإذا كانت هذه ردود أفعالهم وهم لا يحكمون، ترى! ماذا سيكون مصير فاروق حسني لو كانت السلطة بأيديهم؟ والمتطرفون بيننا كثر، وهم ليسوا خصوصية مصرية أو كويتية، فالمؤشرات القادمة من البحرين التي تشهد انتخابات برلمانية هذا الأسبوع، تقول بأن الأمر سيؤول إلى أصحاب العمائم واللحى والنقاب، ففي البحرين صادر الطائفيون أجندات الشعب البحريني، وشحنوا الأجواء بطائفية بغيضة لم تشهدها البحرين من قبل، وسوف يأتي اليوم الذي يلطم فيه الناخب البحريني على خدوده لأنه هو من أوصلهم، فسوف يضيِّقون عليه وينكدون عيشته، والأيام بيننا! تذكروا بأني أختلف في هذه المقالة مع رأي فاروق حسني حول الحجاب، ولكن الهدف هنا ليس الخلاف معه، وإنما التنبيه إلى ردة الفعل "الطالبانية" المتطرفة التي تلت تصريحاته في دولة لا تزال علمانية -وإنْ شكلاً- مثل مصر، فكيف يمكن أن تكون ردة الفعل في الدولة الدينية؟! خسارة يا مصر!