تمكَّن الحزب "الديمقراطي" من السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ للكونجرس الأميركي في الانتخابات النصفية لعام 2006، وذلك للمرة الأولى منذ 12 عاماً. وقد تمكن "الديمقراطيون" من الفوز بأغلبية واضحة في مجلس النواب، حيث حصدوا مقاعد تزيد على الـ15 مقعداً المطلوبة للفوز برئاسة المجلس، وبذلك أصبح الطريق مفتوحاً أمام "نانسي بيلوسي"، التي تمثل ولاية كاليفورنيا عن "الديمقراطيين"، لكي تصبح رئيسة الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب، محرزة بذلك سبقاً سياسياً كأول امرأة تصل إلى هذا المنصب. وفي الوقت الذي بدأ فيه "الجمهوريون" في توجيه الاتهامات إلى بعضهم بعضاً حول أسباب خسارتهم، يلاحظ أن "الديمقراطيين" استفادوا من أخطائهم السابقة في إدارة حملتهم الانتخابية، واختاروا مرشحيهم بعناية من بين كوادرهم القادرة على استقطاب أصوات الناخبين، إما لأسباب تخص شخوصهم وقدرتهم على إقناع العامة بقدرتهم على الأداء الأفضل كممثلين لهم، أو عراقتهم السياسية من قضايا محددة. وكان للعراق أيضاً نصيب كبير من حملتهم حيث قرؤوا بعناية مواقف العامة المعارضة للحرب، وقالوا إثر ذلك إن وقت التغيير حيالها قد حان سواء كان ذلك بالنسبة للاستراتيجية المتبعة، أو الطريقة التي تُدار بها على أرض الواقع، أو لدور العراقيين أنفسهم في تحقيق الأمن لبلادهم. ويُضاف إلى ذلك، أنه بغض النظر عن كون العديد من المرشحين "الديمقراطيين" القياديين في الحملة الانتخابية السابقة، يعتبرون سياسيين تقليديين في صفوف الحزب من ذوي الأفكار التحررية، الذين يعارضون سياسات الإدارة الحالية للاقتصاد وتخفيض الضرائب، إلا أن العديد منهم وقفوا مواقف وسطية من تلك القضايا على طريقة مسك العصا من النصف، في خطوة تكتيكية تحسب لهم كطريقة ناجحة لكسب الأصوات. فعلى سبيل المثال، ورغم معارضة الكثيرين منهم للطريقة التي تدير بها الإدارة المسائل المتعلقة بالأمن القومي على صعيديه الداخلي والخارجي، فإنهم حرصوا على إظهار صورتهم خلال الحملة بأنهم وطنيون غيورون على أمن وسلامة ومصالح بلادهم وشعبهم. ومقارنة بنتائج الانتخابات التي جرت خلال الأربع سنوات الماضية في عامي 2002 و2004، يُلاحظ أن ميزان المناورة الانتخابية قد مال لصالح "الديمقراطيين" هذا العام، مما تسبب في حصدهم لعدد كبير من أصوات الناخبين. لقد كانت الفكرة السائدة لدى العامة الأميركيين تتمحور حول عدم الثقة في قدرة "الديمقراطيين" على التعامل مع الأمن القومي للبلاد بطريقة كفؤة، لذلك قام "الديمقراطيون" بتغيير أساليبهم وتكتيكاتهم خلال الحملة، فقاموا مثلاً بزيادة إنفاقهم على حملتهم الانتخابية، وخصصوا لها 50 مليون دولار إضافية لإقناع ناخبيهم بجدوى الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، في الوقت الذي أنفق فيه "الجمهوريون" حوالى 30 مليون دولار للقيام بنفس الشيء، وقاموا بالمناسبة خلال الحملة بزيادة الإنقاق العسكري، خاصة إرسال المزيد من الدعم إلى الجيش الأميركي في العراق. لقد نتج عن ذلك أن تمكن "الديمقراطيون" من مسايرة "الجمهوريين" خطوة خطوة، بمعنى كسب أصوات متقاربة معهم، وهو أمر يحدث للمرة الأولى منذ سنوات حيث كان "الجمهوريون" دائماً في الطليعة. ويعتقد بشكل واسع في كافة الأوساط من "ديمقراطيين" ومحايدين بل وبعض "الجمهوريين" أنفسهم، أن البيئة السياسية الداخلية المعادية لممارسات "الجمهوريين" على صعيد السياسات الداخلية والسياسة الخارجية والفضائح الأخلاقية التي نشرت حول عدد من أبرز مرشحي "الجمهوريين"، ساعدت "الديمقراطيين" كثيراً على الفوز بأصوات كاسحة في العديد من المناطق. ويُضاف إلى ذلك أنه بالرغم من محاولات "الجمهوريين" ترتيب الأوضاع الداخلية، لكي تبدو في أحسن صورتها عن طريق خفض معدلات نسبة معدل البطالة، وهبوط أسعار النفط خاصة وقود السيارات، وارتفاع مؤشرات سوق الأسهم في نيويورك، إلا أن ذلك كله لم يجدِ نفعاً، واستطاع "الديمقراطيون" إظهار صورة الاقتصاد على حقيقتها أثناء سير حملتهم الانتخابية من خلال التوضيح بأنه اقتصاد عليل يعاني من اختلالات هيكلية جمة لابد من إصلاحها وإعادة ترتيبها، لقد كان ذلك جزءاً مهماً من حملة "الديمقراطيين" الانتخابية وفوزهم. وبرغم تفرد "الديمقراطيين" بالهيئة التشريعية وسيطرتهم عليها في المرحلة القادمة، فإن الثقافة السياسية الأميركية لا تتيح مجالاً واسعاً أمام نشوء قطيعة بين الكونجرس والرئيس، فلو حدث ذلك، فإن مصالح العامة الأميركيين ستتأثر بشدة لأن تحقيقها يتوقف على تعاون الطرفين، لذلك فإن ساسة الحزب "الديمقراطي" الكبار وعلى رأسهم "نانسي بيلوسي"، صرحوا فور فوزهم، بأن التعاون التام مع الرئيس مسألة غير قابلة للنقاش، وأنهم مستعدون لذلك إلى أقصى درجة ممكنة. ويبدو أن الرئيس بوش لديه نفس التوجه، فهو إن لم يصرِّح بذلك مباشرة، إلا أن أولى الخطوات التي اتخذها بعد ظهور نتائج الانتخابات هي قبوله استقالة وزير الدفاع في لفتة يقصد منها كسب ود القادمين الجدد إلى الكونجرس، واستقبال "نانسي بيلوسي" في مكتبه تعبيراً عن الرغبة في التعاون. وبرغم صحة هذا من الناحية النظرية، فإن الإدارة ستواجه أوقاتاً صعبة مع الكونجرس حول العديد من القضايا.