بوش وعودة شبح المكارثية في أميركا! -------------- لخمسة وعشرين عاماً عملت "ماري مايبس"، مؤلفة الكتاب الذي نعرضه هنا وعنوانه: "الحقيقة والواجب: الصحافة والرئيس ومزايا السلطة"، كمنتجة تلفزيونية في محطة "سي. بي. إس. نيوز"، كما شاركت في تقديم البرنامج التلفزيوني الشهير "60 دقيقة". لكن أبرز إنجازاتها المهنية على الإطلاق، تمثلت في الكشف عن فضائح التعذيب في سجن أبو غريب، وفي إذاعة تقرير كشف عن خفايا فترة الخدمة العسكرية للرئيس جورج دبليو بوش، والتي أمضاها في إحدى وحدات الحرس الوطني باعتباره ابناً لعائلة متنفذة بينما كان يتم فيه إرسال عشرات آلاف الأميركيين إلى الحرب في فيتنام. وقد أثار البرنامج الذي أذاعته المؤلفة عن خدمة بوش العسكرية عاصفة مدوية، أدت إلى إجراء تحقيق داخلي غير مسبوق في محطة "سي. بي. إس. نيوز". وتسرد المؤلفة في هذا الكتاب تفاصيل ما تعرضت له عقب إذاعة ذلك البرنامج من مضايقات وضغوط، تقول إن بعضها كان مروعاً وبعضها الآخر ذو تفاصيل سريالية، خاصة فيما يتعلق بالتحقيقات التي أجريت معها والتي كان الغرض منها، كما تقول، الإساءة إليها في المقام الأول وتأديبها على ما فعلت في الوقت الذي كان فيه البيت الأبيض يتعرض لحملة عنيفة بسبب ما تمخضت عنه الحرب في العراق، وذلك قبل أن يسفر التحقيق في النهاية عن تقديم توصية بإنهاء خدمتها، وهو ما تم فعلاً. وتقول المؤلفة إنها أحست في مرحلة من المراحل بأن المكارثية التي عانت منها أميركا الأمرَّين في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي، والتي شنت حملة شعواء على اليساريين والشيوعيين، قد عادت في صورة جديدة، وتقول إن الذي جعلها تشعر بذلك هو ذلك الكم الرهيب من الكتابات الموجهة ضدها والتي كان معظمها بواسطة كتبة مواقع "المدونات" على شبكة الإنترنت، خاصة تلك المواقع الخاصة باليمين والتي شنت هجوماً عنيفاً على الكاتبة لقيامها بتناول تفاصيل فترة مثيرة للجدل من حياة الرئيس الأميركي. وقد ذهبت الحملة التي شاركت فيها جهات ومواقع يمينية عديدة، كما تقول المؤلفة، إلى مناقشة كل شيء ورد في تقرير الكاتبة، وإلى التشكيك في صحة الوثائق التي قدمتها، بل وشملت أموراً تافهة لا تقدم ولا تؤخر؛ مثل الأخطاء المطبعية الموجودة في الكتاب، وحجم الخط الذي كتب به... وهي كلها مسائل كان الغرض منها تشتيت ذهن المؤلفة وجعلها غير قادرة على تجميع شتات أفكارها أو الرد بطريقة منظمة على الانتقادات التي وجهت إليها. وإذا ما عدنا إلى ما كتبته "مايبس" عن فترة خدمة الرئيس في الحرس الوطني، فإنها بعد أن ذكرت بعض التفاصيل والوقائع الخاصة بهذه الفترة؛ ومنها أن بوش كان يكلف بأيسر المهام، كما كان يحصل على إجازات عديدة من الخدمة، بل إن مدة هذه الخدمة قد ابتسرت بسبب أن بوش كان حينئذ مضطراً للمشاركة في حملة سياسية، كما يقال. بعد أن تناولت المؤلفة ذلك، قدمت صوراً من بعض الوثائق المتعلقة بخدمة بوش العسكرية والتي تدعم ما قدمته من معلومات وبيانات. وحرصت الكاتبة على ذكر المصادر التي حصلت منها على تلك الوثائق، لقطع الطريق على أي محاولات للتشكيك في صحتها ودرجة موثوقيتها. ولم تقتصر المؤلفة على كشف تفاصيل خدمة الرئيس بوش في الحرس الوطني، بل قامت بإجراء بحث في جذوره السياسية، أي في العوامل التي أثرت في تكوينه سياسياً، ونفوذ عائلته في الحياة السياسية الأميركية، وكذلك الفترة التي أمضاها حاكماً لولاية تكساس ومستوى أدائه خلالها. كما صحبت المؤلفة القراء إلى غرف الأخبار وشرحت لهم كيف يتم الحصول على الأخبار، وكيف تتم صياغتها، والآليات التي يتم اتباعها لتحديد أهميتها النسبية ودرجة أولوياتها، والقرارات التحريرية... وغير ذلك من مسائل -يجد فيها المهتمون بموضوع الإعلام وأجهزته وأساليبه وتقنياته... أهمية وجاذبية. ولا تكتفي المؤلفة بذلك، بل تقدم وصفاً تفصيلياً لطرق وأساليب إذاعة الأخبار. وفي كتاب: "الحقيقة والواجب..."، نجد الكثير من الشخصيات المحيطة بالرئيس بوش، وعلى وجه الخصوص مستشاره المثير للجدل "كارل روف" الذي لم يسلم هو الآخر من الفضائح. وبالإضافة إلى تنوع الشخصيات التي يتناولها الكتاب، فإن مؤلفته تنتقل بالقراء بين عدة بيئات؛ فهي تنتقل من بلدة صغيرة ريفية تابعة لتكساس، إلى صحاري أفغانستان، وتنتقل أيضاً من موسم الأعاصير في فلوريدا إلى المركز الرئيسي لمحطة "سي. بي. إس. نيوز" في حي "بلاك روك" في مدينة نيويورك. وتخصص المؤلفة جزءاً لا بأس به من الكتاب لمناقشة الموضوع الخاص بحق المواطن العادي في معرفة ما يدور حوله بالتفصيل، وهو حق لم يعد مكفولاً في جميع الأوقات في أميركا، رغم ادعاءات الديمقراطية والحرية التي لا تتوقف. وهي تقول إن تجربتها الشخصية من الأدلة الواضحة على ذلك، حيث وجدت نفسها في مواجهة هجوم ضارٍ شاركت فيه تحالفات من السياسيين والمنظمات، ومراكز الدراسات والأبحاث، التي ترتبط مصالحها مع بعضها بعضاً، وتعمل على حماية/ والترويج للحكومة القائمة التي ترتبط معها برباط المصالح... أما الشخص الذي يسأل أو الذي يثير مسائل خلافية أو الذي يكشف عن بعض الخفايا المتعلقة بالأشخاص القابضين على زمام السلطة، فيجد نفسه وحيداً أمام موجة عاتية من الهجوم الذي قد يرهب البعض ويدفعه إلى التراجع عن أقواله. وتحاول الكاتبة الربط بين هذه الحقيقة وبين قدرة وسائل الإعلام على إذاعة الأخبار والتقارير الخبرية، بموضوعية ودون زيف، وهو ما يفترض أن يكون أمراً بديهياً في مجتمع دولة تدعي أنها زعيمة الديمقراطية وموئل الحرية في العالم! سعيد كامل الكتاب: الحقيقة والواجب: الصحافة والرئيس ومزايا السلطة المؤلف: ماري مايبس الناشر: مطبعة سانت مارتين تاريخ النشر: 2006