بعد أن صادقت الحكومة الإسرائيلية بغالبية كبيرة على تعيين عضو "الكنيست" أفيغدور ليبرمان (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا") نائباً لرئيس الحكومة ووزيراً لـ"المخاطر الاستراتيجية"، وكذلك على الاتفاق الائتلافي مع ذلك الحزب، ظهرت بوادر أزمة، قديمة جديدة، في "حزب العمل" الذي يشكل مع حزب "كاديما" الحكومة الائتلافية. فلقد تفاقمت الأزمة في حزب "العمل" إثر قراره البقاء في الائتلاف الحاكم رغم انضمام "إسرائيل بيتنا"، إذ طالب عدد من وزراء الحزب وزير الثقافة والعلوم والرياضة "أوفير بينيس" بتقديم استقالته باعتباره الوحيد من بين وزراء "العمل" الذي كان قد صوت ضد انضمام ليبرمان إلى الائتلاف الحكومي، وشن هجوماً على قادة حزبه، وتصريحه في اجتماع عقد في مركز الحزب بأنه في الوقت الذي يصادف ذكرى مقتل إسحاق رابين يناقش الحزب "اليساري" ضم ليبرمان اليميني إلى الحكومة. وحقاً، فإن بقاء حزب "العمل" في الائتلاف الحكومي ليؤكد على المأزق الذي يعاني منه الحزب منذ أكثر من عشر سنوات، حيث باتت الانتخابات الداخلية والمناصب شغله الشاغل والمكسب الوحيد في ظل معاناة من فراغ قيادي. وفي هذا السياق، يشير "يوسي فيرتر" معلق الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" إلى أن: تأييد البقاء في الحكومة رغم انضمام ليبرمان كان معروفاً سلفاً. فرئيس حزب "العمل" ووزير الدفاع عمير بيريتس ألقى خطاباً بدا كما لو أنه كتب له من قبل شمعون بيريز مع جميع اللازمات التي درج على تكرارها هذا الأخير حول "المسؤولية الوطنية والمبادرة السياسية وانعدام جدوى الجلوس في المعارضة"، مضيفاً أن "ما حدث في اجتماع الحزب بشأن تأييد انضمام ليبرمان من عدمه كان في الحقيقة صراعاً عنيفاً تمهيداً للانتخابات الداخلية في مايو 2007". ويتوقع عديد المحللين الإسرائيليين سقوط بيريتس، كون "حزب العمل" يعاني ما يعانيه. فهو -منذ تشكيل الائتلاف الحكومي قبل ستة أشهر- لم ينجز شيئاً إلا المشاركة في الحرب على لبنان التي يتفق كثير من جنرالات الحرب الإسرائيلية على أنها فاشلة بكل المقاييس، ولذلك نجده يهدد يومياً بإعادة احتلال قطاع غزة! صحيح أن الأزمة التي يعيشها "حزب العمل" ليست خاصة، بمعنى أن الأحزاب الرئيسية، "كاديما" و"الليكود"، تمر أيضاً بمرحلة مخاض عسير، وباتت تخسر أكثر مما تحقق في السنوات الأخيرة، إلا أن حزب العمل "العريق إسرائيلياً" بات يعاني من أزمة خانقة تتمثل في ضعف قادته، وتخلي آخرين عن عضويته رغم سنواتهم الطويلة مع الحزب! ولربما يكون شمعون بيريز أكبر مثال على ذلك، فضلاً عن أن بيريتس نفسه لم يكن يوماً قائداً سياسياً بل هو نقابي، وقد جاء للحكومة يحمل أفكاراً توقع الجميع أن تصب في مصلحة ما يسمى التعايش السلمي مع الشعب الفلسطيني، فإذا بالأمور تسوء أكثر فأكثر، فتدخل إسرائيل حرباً في لبنان لربما خسرت فيها ما لم تخسره في أية حرب أخرى. كما أن القضية الفلسطينية تشهد تطورات غير سلمية الطابع لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعها خاصة في قطاع غزة. وبذلك، فإن الأزمة ليست خاصة بحزب واحد، فحتى رئيس الحكومة إيهود أولمرت (الذي جاء يحمل خطة لفك بؤر "استيطانية" في الضفة الغربية تيمناً بخطة أستاذه أرييل شارون في قطاع غزة) ألغى الخطة وسعى وراء استمالة شخصية عنصرية فاشية مثل ليبرمان ليضمه إلى حكومته المهتزة شعبياً وبرلمانياً! وبالعودة إلى أزمة "حزب العمل"، يتضح أن قرار تأييد انضمام ليبرمان للحكومة خلق معسكرين متجابهين، وأن ما يسميه البعض من أنصار الحزب تمرداً ربما يتحول، قبل موعد الانتخابات الحزبية القادمة، إلى شرخ دائم أساسه التنافس على رئاسة الحزب، وهو ما يعبر عنه مراسل الشؤون الحزبية في صحيفة معاريف "نداف إيال". فهذا الأخير يقول: "حزب العمل سيكون مشغولاً في الفترة المقبلة بالانتخابات لرئاسة الحزب... ولهذا فإن أي تحرك في الحزب سيكون مرتبطاً بهذه المنافسة". أما المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" عوزي بنزيمان فيقول: "إذا كان بيريتس قادراً على الجلوس في حكومة واحدة مع ليبرمان فهذه إشارة كافية ولا حاجة للكلام بعدها، ليس فقط لأن بيريتس أعلن في الماضي أنه لن يوافق على الشراكة مع ليبرمان، وإنما لأنه وحزبه تبجحا بالادعاء أن لديهما وجهة نظر مغايرة عن حزب إسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان". وحقاً، فإن ما يحدث لحزب "العمل" سيكون له انعكاس كبير على مستقبله، الأمر الذي يستحضر ما حصل في نهاية 2000 ضد رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك بحيث قاد إلى انهيار حكومته وخسارته الانتخابات أمام شارون في مطلع 2001. علاوة على ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن بيريتس حكم على حياته السياسية بالإعدام لحظة تولي حقيبة "الدفاع" وهو النقابي الذي لا علم له بالاستراتيجيات العسكرية، فجاء العدوان على لبنان وخسارة الحرب مع "حزب الله" والعمليات اليومية في قطاع غزة والتهديد بإعادة احتلالها، وبذلك بدأ يشق بيديه الطريق لإنهاء حياته السياسية القصيرة أصلاً، وهو ما أكدته "هآرتس" في مقال لهيئة التحرير عنونته بـ"ما الذي تبقى من عمير بيريتس" حيث قالت: "إذا كانت هناك لحظة ملائمة للانشقاق في حزب العمل، على أساس قضية مبدئية مثل انضمام أفيغدور ليبرمان و"إسرائيل بيتنا" للحكومة، فإن هذه هي اللحظة". وتضيف "لقد خيب بيريتس أمل ناخبيه في كل ناحية ممكنة، فخلال نصف سنة على ولايته خادع بيريتس بمهمته الشعبية، حين امتنع عن الحصول على حقيبة اقتصادية اجتماعية، وبدلاً منها تولى حقيبة الدفاع، وهو مجال لا شأن له فيه". خلاصة القول إن حزب "العمل" يواجه مشكلة كبيرة ربما تدفعه نحو الانشقاق أو تقوده لحالة من عدم استقرار الوضع الداخلي بما في ذلك داخل كتلته البرلمانية. فقد ترسخت في المجتمع الإسرائيلي فكرة أن "حزب العمل" بات يفتقر إلى البرنامج السياسي الواضح، وأصبح تابعاً لكل رئيس حكومة بعيداً عن اختلاف الإيديولوجيات والسياسات بحيث أضحت قاعدته الجماهيرية خالية تماماً من الشباب الذي تحول إلى اليمين في الانتخابات الأخيرة. ومن جهته، يؤكد "فيرتر" في "هآرتس": "كل شيء في حزب العمل يبدأ وينتهي حول التنافس على رئاسة الحزب، وفي السنوات الست الأخيرة استبدل الحزب خمسة رؤساء له، والآن يستعد لانتخاب الرئيس السادس". أما ما هو أبلغ، فيتجلى فيما نقله ناحوم برنياع عن أحد أعضاء الحزب إذ قال: "لقد أصبحنا جمهورية موز. فرئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء يخضعون للتحقيق. الحكومات تسقط كل نصف سنة. ليس هناك برامج سياسية ولا قرارات. لقد مات كل شيء"!