يخطئ من يظن أن هذا الكم الملحوظ من المؤتمرات التي تنظم على أرض دولة الإمارات هذه الأيام هي مجرد لقاءات لا يتجاوز صداها جغرافيا القاعات التي تحتضن جلساتها، ويخطئ أيضاً من يعتقد بمحدودية مردود هذه المؤتمرات، فالموضوعية تقتضي القول بأن هناك آثاراً إيجابية عديدة لهذا الحراك البحثي والفكري والنقاشي. فبالإضافة إلى تكريس الواقع الخاص بريادة الدولة في صناعة المؤتمرات، وهي بالمناسبة صناعة واعدة باتت أحد روافد التنمية الاقتصادية في الدولة، يمكن القطع بوجود حزمة من الدروس المستفادة من هذه المؤتمرات، وفي المقدّمة من هذه الدروس الاحتكاك بالعقول والخبرات الدولية في موضوعات شتى، فمؤتمر مثل مؤتمر الطاقة الذي نظمه "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" مؤخراً قد رسم صورة بانورامية واضحة المعالم لمظاهر السباق على الطاقة بين الصين والهند والولايات المتحدة، وتحدّث خبراء هذه الدول وممثلوها بالأرقام والإحصاءات عن ملامح الوضع الراهن وما ينتظر أن يكون عليه النهم إلى مصادر الطاقة في المستقبل، وكانت جلسات المؤتمر وأوراق العمل المقدّمة من الخبراء والباحثين المشاركين فرصة مثالية لكشف ما يخبئه المستقبل لسياسات استهلاك النفط في كبرى الدول المستهلكة، ما يسهم بالضرورة في بلورة سياسات إنتاج رشيدة تعزز موقف الدول النفطية وتساعد خططها الاقتصادية في تفادي مفاجآت السوق وتقلّبات الأسعار، وبالتالي العائدات النفطية التي تمثل عماد خطط التنمية في هذه الدول. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى مؤتمر الطاقة، فإن الوضع لا يقل أهمية بالنسبة إلى مؤتمر قيادات العالم في أبوظبي 2006، والذي شاركت فيه نخبة من العقول المؤثرة والفاعلة سياسياً واقتصادياً وتنوّع المشاركون بين قادة ورجال فكر ومال وأعمال، ما يصبّ بالضرورة في سلة تعظيم حصاد هكذا تجمّعات تتيح للحاضرين فرص استعراض تجارب سياسية واقتصادية لعبت دوراً ما في صياغة تاريخ هذه المنطقة ومناطق أخرى من العالم، وتتيح أيضاً فرصة إثراء خبرات الكوادر الوطنية الشابة والتعرّف إلى فكر الآخرين وبناء قنوات اتصال مع العالم. المسألة إذاً تتجاوز في جوهرها حدود الاستضافة والتنظيم والتعرّف إلى حجم التطور الحاصل في الإمارات، رغم أهمية ذلك كله ضمن أجندة الإعداد والتخطيط وروزنامة الأهداف المبتغاة من وراء هذه المؤتمرات، ولكن ثمّة مكاسب أخرى مهمّة، وهي أن الإمارات تقدّم نفسها من خلال هذه المؤتمرات إلى العالم، شرقه وغربه، ومن خلال ممثليه المشاركين في مختلف هذه المؤتمرات واللقاءات الفكرية والبحثية، وتوفر لنفسها فرصة الاحتكاك والاندماج أكثر فأكثر مع منظومة العولمة التي باتت خياراً لا فكاك منه في مختلف المجالات. هذه المؤتمرات تمثل في أحد جوانبها رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي أيضاً فرصة لتعزيز دور الإمارات ومكانتها كواجهة للتفاعل والتواصل والحوار والتسامح، فضلاً عن كونها تمثّل مدخلاً حيوياً لمناقشة القضايا المثارة في مختلف المجالات وإثارة النقاشات حولها بما يمهّد لتقارب الأفكار والبحث عن حلول في عالم يموج بأزمات شتى تبدأ من الخوف من شحّ مصادر الطاقة ولا تتوقف عند حدّ التطرّف والإرهاب. وما يضاعف من القيمة النوعية المضافة للمؤتمرات أن هناك مشاركة ملحوظة من الكوادر الوطنية، ولاسيّما أن تجربة الإمارات التنموية أصبحت على درجة من النضج بحيث تحوّلت إلى نموذج يرغب العالم في التعرّف إلى مقوماته وركائزه وعوامل نجاحه واستمراريته التي تثير الإعجاب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية