عندما أرسلت وزارة البلديات والأشغال العامة طاقماً من الفنين إلى منطقة "العامل" في بغداد لإصلاح أنبوب مجاري مكسور استبشر سكان تلك المنطقة خيراً، وذلك بعد أن طالت معاناتهم من طفح المجاري والروائح الكريهة. ولكن ذلك الشعور لم يطل حيث تبين أن هؤلاء الفنيين قد كسروا الأنبوب الرئيسي الذي يمد الحي بالمياه النظيفة بدلاً من إصلاح أنبوب المجاري المكسور. على الرغم من أن العراقيين قد اختاروا حكومتهم بطريقة ديمقراطية، إلا أن وزراء تلك الحكومة، وبعد 11 شهراً على تشكيلها، يعترفون بأن معظم جهودهم لإصلاح الأوضاع قد باءت بالفشل. والحق أن جهود الحكومة لم تفشل في إصلاح المشكلات القائمة فحسب، بل إنها أدت إلى مزيد من المشكلات تماماً مثلما حدث في حي العامل. على الرغم من الجهود الأميركية العديدة إلا أن الوزراء العراقيين لم ينجحوا في التخلص من الشكوك التي يكنونها لبعضهم بعضاً كما فشلوا في تحسين الظروف الأمنية أو حل المشكلات السياسية الاقتصادية. أما رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يقول إن الكيل قد فاض به بسبب الوزراء الذين فُرضوا عليه فرضاً فقد وعد بإجراء تعديل وزاري. ولكن عزمه على ذلك قد لا يكون كافياً في حد ذاته للتغلب على جوانب هشاشة الحكومة وإزالة العوائق التي تقف في طريقها. والواقع أن تشكيل الحكومة على أساس طائفي هو أكثر شيء يعوق تلك الحكومة عن اتخاذ قرارات حاسمة أو القضاء على عناصر الفساد وعدم الكفاءة. وحول هذا يقول "سالم عبدالله الجبوري" المتحدث باسم حزب السُّنة الرئيسي المشارك في الائتلاف الحاكم: "إذا ما اكتشف المالكي أن أحد الوزراء التابعين لأحد الأحزاب الرئيسية متورط في قضية فساد، فإنه لا يستطيع التخلص منه لأنه يعرف أنه إذا ما قام بعزله فإنه سيتهم بأنه يعمل ضد الحزب الذي ينتمي إليه الوزير". والبعض يلومون الولايات المتحدة ويعتبرون أنها مسؤولة عن تردي الأوضاع بسبب اعتمادها على آلية الإجماع والتوازنات باعتبارها تمثل علاجاً شافياً من كل علل العراق وأمراضه. والدستور العراقي بما يتضمنه من ضوابط ومحددات، وتجريد السلطة التنفيذية المجردة من الكثير من السلطات يضع قيوداً على ما يستطيع أي زعيم سياسي أن يقوم به ويحققه. والمشكلة كما يقول "عباس البياتي" عضو البرلمان –شيعي- هي أن الحكومة قد شُكلت على أساس اتفاق مؤداه أن كل طرف من الأطراف يمتلك حق الاعتراض على ما يقوم به الطرف الآخر. ولذلك فإن ما يحدث عند كل مفترق طرق تواجهه الحكومة هو أن يجتمع المسؤولون ويدخلوا في مناقشات صاخبة قبل أن يتفقوا على الاجتماع لبحث الموضوع، وعندما يجلسون حول مائدة الاجتماعات فإنهم يدخلون في مناقشات صاخبة مجدداً ضد بعضهم بعضاً. ويقول بعض المقربين من دوائر الحكم إن عدد الموضوعات التي تتم مناقشتها في حكومة المالكي دون الحصول على موافقة كل حزب من الأحزاب ضئيل للغاية وهو ما أدى إلى سيادة مناخ يجعل كل وزير أو مسؤول خائفاً من اتخاذ القرار. ولا يقتصر الأمر على هذا بل إن ما يحدث بعد اتخاذ قرار ما أنه لا توجد آلية إشرافية تقوم بمتابعة تنفيذه أو تقوم بالتنسيق بين الوزارات المختلفة في العمل. ويقول أحد المسؤولين إنه يحدث أحياناً أن يكون هناك وزير كفؤ يؤدي عمله على ما يجب، ولكن عمل هذا الوزير لا تظهر آثاره إذا ما كانت الوزارة أو الوزارات الأخرى التي يرتبط بها عمل وزارته ليست على مستوى الكفاءة المطلوبة. وقد اعترف رئيس الوزراء المالكي في خطابه أمام البرلمان بهذه العوائق. ولكن مجرد الاعتراف وحده لا يكفي طالما ظلت حكومته ضعيفة وغير فعالة. فالمالكي على سبيل المثال قدم الكثير من الوعود بنزع سلاح المليشيات، ولكن ذلك لم يحدث، بل إن الأمر تفاقم حتى وصل الحال إلى قيام مختطفين يلبسون زي الشرطة بعملية اختطاف جماعي للعشرات في وضح النهار من مقر وزارة التعليم العالي في بغداد. ويعلق الجبوري على ذلك: "على الرغم مما حدث فإن الحكومة لم تحرك ساكناً والاحتمال هو إما أنها ضعيفة للغاية وغير قادرة على الفعل، وإما أنها متواطئة مع المليشيات، أو أنها فقدت أي سيطرة عليها". ويقول المسؤولون إن مصداقية المالكي قد تزعزعت وهو ما يؤكده محلل سياسي غربي يقيم في بغداد حيث يقول: "إنني أعتقد أنه ينظر للحكومة على أنها تمثل حزباً واحداً في المجتمع... وعلى الرغم من أن السُّنة أيام صدام حسين كانوا يسيطرون على الحكم مع أنهم يمثلون قطاعاً واحداً من قطاعات المجتمع إلا أنهم كانوا يمتلكون قوة هائلة تدعمهم ضد القطاعات الأخرى... أما هؤلاء الأشخاص الموجودون في الحكم الآن فإنهم لا يمتلكون مثل هذه القوة، علاوة على أن هناك قوى أخرى غيرهم تنازعهم السلطة". بورزو داراجي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "لوس أنجلوس تايمز" في بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"