تشهد الساحة الإعلامية في مصر حالة شديدة السخونة من الشد والجذب، منذ أدلى وزير الثقافة فاروق حسني ببعض العبارات في حوار شخصي حول الحجاب، مع صحيفة متخصصة في نشاط وزارة الثقافة. بلغت حالة الشد والجذب ذروتها في البرلمان حيث أجمع نواب الحكومة والمعارضة على حد سواء، على ضرورة مثول الوزير أمام لجنة الشؤون الدينية لاستجوابه حول العبارات التي وصف فيها حجاب المرأة بأنه تأخر وتخلف. لقد أثارت هذه المسألة بشدة في الدوائر المصرية، قضية حق المسؤول الحكومي خاصة إذا كان في مرتبة وزير، في التعبير العلني عن آرائه الشخصية في موضوع ذي طبيعة دينية مثل موضوع تحجب النساء، وانقسم الرأي بين رجال القانون والمثقفين خاصة بعد أن أرسل الوزير خطاباً إلى رئيس البرلمان د. فتحي سرور يؤكد فيه أن ما جاء على لسانه كان يمثل رأيه الشخصي فقط، ولم يكن تصريحاً صحفياً بل كلمات تم انتزاعها من سياقها خلال حوار لم يكن للنشر، مؤكداً أن الرأي في الحجاب لرجال الدين في مصر. لقد تمت تلاوة رسالة الوزير على مسمع من جميع أعضاء البرلمان، ومع ذلك فإن ثورتهم ضد عباراته قد تصاعدت، حيث رأى الكثيرون منهم أن الوزير لم ينكر العبارات المنسوبة إليه، وأنه كان لديه الوقت لنفي ورود العبارات على لسانه منذ نشرت الصحفية فتحية الدخاخني هذه العبارات بصحيفة "المصري" منذ أكثر من أسبوع. لقد أوضحت الصحفية، وهي على علاقة عمل طيبة مع الوزير، القصة الكاملة لتصريحاته في مقال بـ"المصري اليوم"، لتبين أنها لم تتعمد نشر التصريحات أو تصعيد العبارات لاصطناع موضوع صحفي، بل إنها امتنعت عن النشر إلى أن أكد لها الوزير في اليوم التالي لقول العبارات، أنه لا يمانع في نشر التصريحات منسوبة إليه. ويمكن تلخيص الوقائع الواردة بمقال الصحفية في أن الوزير أثناء مؤتمر صحفي بينه وبين وزير الثقافة السنغافوري لاحظ أن الصحفية الشابة ترتدي الحجاب لأول مرة منذ تخصصت في تغطية نشاط وزارة الثقافة، فأشار إليها قائلاً: "هل أثرت زميلاتك المُحجبات عليك"؟ وبعد رحيل الوزير السنغافوري، قال الوزير المصري للصحفية: "ماذا حدث.. هل العقل المتحرر المتقدم تأخر"؟ وعندما سألته الصحفية عن سبب هذا السؤال الموجه إليها، أجاب أمام جميع الصحفيين: "هذا رأيي.. الحجاب تأخر وتخلف وأنا أعلنها صراحة". تقول الصحفية إنها لم تعرْ الكلام اهتماماً، ولم تنشره ضمن تقريرها عن المؤتمر الصحفي للوزيرين. غير أن الموضوع فتح من جديد عندما اتصلت بالوزير هاتفياً في موضوع مختلف في اليوم التالي، حيث قالت الصحفية للوزير إن رأيه الشخصي في موضوع الحجاب يصعب إعلانه في مجتمع كمجتمعنا، وجاء ردّه إننا في دولة ديمقراطية من حق كل شخص أن يعبر فيها عن آرائه بحرية. وهنا سألته الصحفية: هل هو مستعد لنشر التصريحات على لسانه؟ فأجابها بالقبول. في ضوء هذه الوقائع التي تبين أن الوزير يعبر عن رأي شخصي وليس عن موقف رسمي، في قضية شرعية يختص بها علماء الدين، لم أجد مانعاً في القبول عندما اتصل بي بعض أساتذة الجامعات والروائيين والشعراء والكتّاب ليسألوني، هل أوافق على التوقيع على بيان يؤيد حق فاروق حسني كمواطن في التعبير عن آرائه بحرية؟ لقد نشرت صحيفة "الأهرام" البيان كاملاً يحمل جميع التوقيعات يوم الثلاثاء الماضي بما فيها اسمي، جنباً إلى جنب مع مطالبة أعضاء مجلس الشعب بإقالة الوزير لما اعتبروه خروجاً عن الدين وثوابته وإساءة لكل المسلمين ولكل المصريين. وبالطبع فإن موقفي من القضية يتعلق بضرورة حماية حرية التعبير للمواطنين، ولا يتعلق بالموافقة من جانبي على محتوى آراء فاروق حسني. ذلك أنني على النقيض، لا أرى في اختيار المرأة للحجاب أي علامة على تأخر فهو التزام محمود، كما أنني لا أرى في عدم ارتداء بعض النساء للحجاب علامة على الانحلال ما دمن يراعين قواعد الاحتشام في الملبس. لقد أصبحت القضية متصلة بحق فاروق حسني ليس كمواطن ولكن كوزير، في التعبير عن آرائه الشخصية والسماح بنشرها. لقد رأى رئيس البرلمان، وهو أستاذ قانون، أن أي وزير أو مسؤول ليس له أن يعبر عن رأي شخصي يتناقض مع مسؤولياته العامة، وأن المسؤول إن أراد التعبير عن آرائه الخاصة عليه أن يتحرر من مسؤولياته العامة، أي أن يترك منصبه، وهو الرأي الذي استند إليه نواب البرلمان في المطالبة باستقالة أو إقالة الوزير. وهنا يصبح القانون صاحب القول الفصل في تقييد حق التعبير بمتطلبات المنصب والمسؤولية.