عقدت خلال شهر نوفمبر الجاري، ندوة علمية -ضمن احتفالات حلب عاصمة للثقافة الإسلامية- تناولت موضوع الخوف من الإسلام والمسلمين. وركزت الندوة على محاور ثلاثة هي: 1- سبل توظيف وسائل الاتصال المتعددة في إبراز صورة الإسلام في العالم. 2- كيفية استثمار البث الفضائي في إبراز صورة الإسلام في العالم. 3- دور الصحافة المكتوبة في إبراز صورة الإسلام في العالم. ولقد قُدمت عدة أوراق غطت المحاور الثلاثة، ولن نقوم هنا باستعراض تلك الأوراق أو التعليق عليها، بل سنقوم بشرح الظاهرة وموقف المفكرين منها، بل وموقف الغربيين منها. إن الخوف من الإسلام أو المسلمين، ظاهرة تأصلت في أذهان الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر، أي ("غزوات" المسلمين في أميركا). ولئن كانت هنالك مؤشرات على ذلك الخوف، إلا أن تلك "الغزوات"، بل والتباهي بها عبر الفضائيات -رغم أنها قتلت أبرياء- كان السبب الأهم الذي عزز "الفوبيا" ضد الإسلام والمسلمين. ثانياً: هنالك جهل لدى الغربيين بمفهوم الإسلام الحقيقي، وما وصل إليهم من صور عن الإسلام والمسلمين لا يمثل حقيقة الإسلام، بل يمثل سلوكيات بعض المسلمين الذين "حرَّفوا" الإسلام بارتكاب أعمال لا يحبذها الإسلام، أو يضع لها شروطاً. ولم يتمكن المسلمون من استيعاب مقولة إن الإسلام هو دين الخاتمة. بل قاموا بمعاداة الأديان الأخرى، ولعن والدعاء على أصحاب الديانة السماوية على المنابر، وتلك حقيقة أضرّت بنظرة الآخرين للمسلمين وللإسلام. ثالثاً: الحروب التي نشأت في العالم الإسلامي والصور التي نُقلت عنها، كفيلة بتنميط الصورة عن الإسلام والمسلمين. إذ يقول الغرب: ما دام المسلم (دمه وماله وعرضه) حراماً على المسلم، فكيف تقاتل المسلمون في السابق على الخلافة؟! وكيف تقاتلوا على الولاية؟ وكيف تقاتلوا -في العصر الحديث- 8 سنوات في حرب العراق وإيران؟ ثم حرب أفغانستان، ثم أحداث فلسطين ولبنان. ناهيك عن الانقلابات.. بل والممارسات الرسمية ضد الجماعات والأحزاب الإسلامية؟ يضاف إلى ذلك أصوات بعض رجال الدين المتشددين، والذين توظفهم (القوى السياسية) لخدمة أهدافها، وترويج ثقافة "التبرير" التي اعتاد عليها بعض الدعاة. رابعاً: فشل الدعاة في الوصول إلى المجتمع الغربي، لأن مفاهيم رسالة الإسلام لم تكن واضحة لديهم. وكانت رسالة الترغيب والتهديد حاضرة في الخطاب الدعوي. والمفاهيم التي تم ترويجها كانت إقامة الصلاة، صوم رمضان، حج البيت، الحد في القتل، عذاب القبر، قطع يد السارق، قتل المرتد، جواز الزواج من أربع نساء، الجهاد ضد الآخرين وإرغامهم على الدخول في الدين الإسلامي. وهذه مفاهيم، وإن كان أغلبها صحيحاً، لكن الأفضل لإنجاح الرسالة الدعوية أن يفهم الداعية سيكولوجية المجتمع الغربي، ويوجه له الرسالة حسب القيم التي يتقبلها الفرد الغربي، مثل: السواسية، العدل، الإخاء، إنقاذ الملهوف، نصرة المظلوم، الوقوف في وجه الظالم، الشورى، التراحم، عدم التفرقة على أساس العرق أو اللون أو الثقافة. ونجد هذه المفاهيم ينص عليها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ونجدها مقبولة أكثر في المجتمعات الغربية من خطاب الوعيد والتهديد. خامساً: نجح اليهود في الاقتراب من مشاعر المسيحيين في الغرب وأميركا، بينما فشل المسلمون في عقد تحالفات مع إخوانهم المسيحيين. وتلك حقيقة يجب أن ينتبه لها الدعاة أو تُضمّن في الخطاب الإعلامي الإسلامي، وضرورة أن توضّح الصورة الإسلامية الحقة من أن الإسلام رسالة سماوية تكمّل الرسالات السابقة ولا تعاديها أو ترفضها، بل إن هنالك سورتين في القرآن الكريم (آل عمران) و(مريم). كما أن القرآن الكريم يذكر بخير موسى وهارون وأهليهما. هذه السور أو المشاهد في القرآن الكريم غير واضحة في الذاكرة الغربية سواء كانت مسيحية أم يهودية، ولذلك فإن الإعلام الغربي -وجهل العديد من مُريديه- صوّروا للناس معاداة الإسلام للديانات السابقة، وأن الإسلام يرفض الآخر، ويتحدث بنوع من "العرقية" في خطاباته. سادساً: ردة الفعل السريعة تجاه ظاهرة التعدّي على الإسلام، سواء ما تعلق بنشر الصور المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أو حديث البابا الأخير عن مثال ساقه ضمن محاضرة فكرية ربط فيها الإسلام بالعنف وغيرها من الصفات. فلقد تعامل المجتمع الإسلامي بنوع من الفوضى الكلامية، وكأن ثارات نشبت بين الطرفين، وطالب البعض بصلب البابا أو اعتذار رئيس الدانمرك. والحقيقة أن الدول الأوروبية فيها حرية تعبير قد تتجاوز قيم الآخرين -وهنا لا أبرّئ جنوح الصحف أو الصحيفة واعتداءها على الإسلام- لكنني كنت أود أن يكون الرد غير حرق كنائس للمسيحيين أو التعرض للرموز المسيحية. وخيراً فعلت جماعات إسلامية عندما وجهت رسالة إلى البابا توضح فيها موقف الإسلام، وتُبيّن خطأ ما جنح إليه. إن الحوار العقلاني هو الذي يقنع الطرف المخطئ، لا التصرفات الخاطئة، والتي تُثبت وتؤكد ما ذهب إليه البابا، وتكون تلك الأعمال غير العاقلة دليلاً واضحاً لما ذهب إليه... ثم عاد واعتذر. المسلمون والعرب أمامهم مشروع كبير وحيوي، وهو التخلص من صورة النمطية التي علقت بأذهان الغرب -كما يقول الدكتور علي فخرو- "يُظهر استطلاع للرأي في أميركا نظرة للشعوب العربية والإسلامية بأنها شعوب متأخرة، بدائية، غير متحضرة، تسيء معاملة النساء، مولعة بالحروب، متعطشة للدماء، غدارة ماكرة، وبربرية قاسية. أو أن يؤمن بعض تلامذة الغرب بأن المسلمين هم أتباع ديانة غريبة، ديانة عجيبة الأطوار وسحرية، وأن المسلمين هم شعب ذو دين مضحك، وأنهم كفار، وأنهم يمارسون تعدد الزوجات. وفي الآونة الأخيرة تصبح صورة العربي أو المسلم البشع الإرهابي المخرّب المتعصّب، الغبي المتخلف، المعادي للنساء". هذه قضية يجب أن يتعامل معها الإعلام الإسلامي، إذا ما أردنا إزالة الإسلاموفوبيا من أذهان الغرب، ولابد لنا من عمل ذلك.