منذ بدأت محطة قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية، بثها باللغة الإنجليزية، قبل نحو من أسبوع من الآن، والكتابات حول هذا الحدث الإعلامي لا تتوقف. ولأن هذا الإنجاز الإعلامي لدولة قطر، ستكون له انعكاساته، فإنه يستحق مزيداً من المناقشة. وبغضِّ النظر عن الملاحظات التي لدى البعض على هذا البرنامج أو ذاك لقنوات "الجزيرة"، وعلى الأخص قناتيها العامة والمباشرة، فإن الواجب يتطلب الترحيب بالقناة الجديدة، لكنني أرى أن القائمين عليها يحتاجون للاهتمام بالجوانب التالية: 1- تحقيق توازن بين الجانبين السياسي- الإعلامي والفكري. ذلك أن مشكلتنا مع الغرب تشمل قضايا سياسية وأمنية يومية، بدءاً بالقضية الفلسطينية، وانتهاء بفهم خاطئ أو مشوّه للأسس التي قامت عليها حضارتنا وثقافتنا العربية الإسلامية. 2- إن التوازن في نوعية الأشخاص الذين يظهرون على الشاشة، يقود إلى توازنات أخرى مطلوبة. ونأمل ألا تكون مهمة القناة الجديدة إعلامية إخبارية فقط، بل أن تكون وسيلة إخبار وتثقيف، تتحدَّى وتلهم من أجل ردّ الاعتبار لقضايا الأمة وصورتها في مخيلة الآخر. 3- لأن المرأة العربية المسلمة، هي في صميم السّجال الذي يدور حالياً، نأمل أن تعطى المرأة، وليس فقط موضوع المرأة، اهتماماً بارزاً في برامج القناة الجديدة. إن إبراز حيويّة وغنى فكر الكثيرات من القيادات النسائية في حقول مختلفة، يعادل في أهميته طرح القضايا السياسية والفكرية على اختلافها. ذلك أن هوس الغرب بالصورة النمطية للمرأة العربية، يقبع وراء كثير من سوء الفهم لمجتمعاتنا والانحياز الظالم ضدّ قضايانا الكبرى. 4- إن قضيّة التمكّن من اللغة الإنجليزية، مسألة أساسية في هذا الشأن؛ فالمتحدثون العرب لن يؤثّروا في المشاهد الغربي، إلا إذا شعر بنوع من الحميميّة اللغوية مع المتحدث. إن هذا الموضوع قد أهمله العرب في كثير من المحافل الرسمية والمدنية، بحيث لم يعد الكثيرون يستمعون للخطاب العربي حتى لو كان موضوعياً ومتوهّجاً. فغياب التأتأة والتردّد ونبرة الصّوت واللّكنة... لها تأثيراتها البالغة. 5- لنكن صريحين مع إخواننا في قناة "الجزيرة" الدولية، ولنقل إن الموضوعية في عرض الأخبار والحوارات والمناقشات... مطلوبة. لكنْ هناك فرق كبير بين الموضوعية وبين الحياديّة الباردة. فقناة "الجزيرة" هي في الأساس قناة عربية، وبالتالي فالتعامل مع القضايا العربية المفصلية يجب أن يتجنّب الحيادية الباردة التي تفتقد الالتزام والانحياز المعقول والمشاعر الإنسانية والغضب المشروع... في سبيل الحق والعدالة وضدّ الظلم والقهر الذي يغطّي عالمنا اليوم. وأخيراً، فلينتبهْ من يضع أرجله في عش أفاعٍ جديد!