في غمرة الدفء الذي يميز العلاقة بين الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة، يجدر بالكونجرس والرئيس بوش توحيد جهودهما والتركيز على قضية بالغة الأهمية، تتمثل في وضع الأسس القانونية للتعامل مع الحرب على الإرهاب. فغني عن القول إن السياسة الحالية المتبعة في هذا المجال تعتبر كارثة حقيقية. فبينما أدرك شخصياً أن ما يقوله العالم عن أميركا ليس صحيحاً، مازالت قطاعات واسعة منه تعتقد أن أميركا تسمح بممارسة التعذيب، وتقيم مراكز للاعتقال، فضلاً عن اعتمادها على أساليب الخطف القسري في التعاطي مع المتهمين بالإرهاب. لكن قبل الدخول في أهمية التعجيل بوضع أرضية قانونية تستجيب لمقتضيات محاربة الإرهاب، سأروي لكم قصة مازلت أتذكرها جرت أحداثها في 1986 عندما كنت أعمل مع لجنة القوات المسلحة في مجلس "الشيوخ". ففي ذلك الوقت أطلعني ضابط استخبارات أميركي بأن البحرية استطاعت سحب جهاز من البحر ألقته القوات السوفييتية للتجسس على الولايات المتحدة. ولدى تفكيك الجهاز لفحصه ومعرفة عناصره اكتشفت الاستخبارات وجود إحدى رقاقات الكمبيوتر المصنعة في الولايات المتحدة. واللافت حقاً أن تلك الرقاقة لم يكن مرخصاً لها بالنزول بعد إلى الأسواق، وهو ما جعلنا نتأكد من القدرات الاستخباراتية العالية التي كان يملكها الاتحاد السوفييتي. لكن تلك القدرات وغيرها لم تكن كافية لتمكين الاتحاد السوفييتي من تجاوز القصور الأساسي الذي كان يعاني منه. والواقع أن تجربة الاتحاد السوفييتي كان محكوماً عليها بالفشل منذ البداية لأن مجمل البناء الاجتماعي الذي اعتمد عليه كان قائماً على كذبة كبيرة. وعلى العكس من ذلك انتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤها لأنهم اعتنقوا قيماً مختلفة تماماً، تقوم على الحرية والمحاسبة والشفافية، حيث أدت تلك القيم إلى إشاعة جو من الأمل في العديد من مناطق العالم ودفعت الكثير من الشعوب إلى الانضمام إلينا في صراعنا الطويل مع الأنظمة الشمولية التي كان الاتحاد السوفييتي أبرز رموزها. واليوم ستخسر الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب إذا استمرت في تبني الأساليب التي تقوض الحريات المدنية. فعلى مدى أجيال ماضية، أبدى العالم تقديره الشديد لالتزام الولايات المتحدة بسيادة القانون ومحاسبة الحكومة ومراقبة عملها. لكننا اليوم أصبحنا محط تشكيك من قبل شعوب العالم التي ما عادت تثق بالتزامنا تجاه الحرية وحقوق الإنسان. وقد كان بوش فعلاً على حق عندما أعلن تقادم الإطار القانوني المعتمد سابقاً في التعامل مع الإرهاب وعجزه عن التكهن بنماذج جديدة من المقاتلين مثل العناصر المنتمية إلى تنظيم "القاعدة". لكن الإدارة الأميركية فشلت في تزعم العالم وقيادته نحو صيغة قانونية جديدة تستطيع النهوض بالتحديات الأمنية المستجدة دون المساس بالحريات الأساسية. وهكذا ظهرت الإجراءات والممارسات التي أفقدت الولايات المتحدة سلطتها الأخلاقية في العالم من قبيل ما رأيناه في سجن "أبوغريب"، أو معتقل جوانتانامو، فضلاً عن التنصت غير المرخص به على المكالمات الهاتفية وغيرها من الممارسات المشينة. لذا تشكل التركيبة الحالية للكونجرس الأميركي، فضلاً عن إعلان الرئيس بوش نيته في التعاون مع الأغلبية "الديمقراطية" فرصة جيدة للانكباب على هذه القضية والسعي إلى الاتفاق حول أرضية قانونية جديدة تقنع حلفاءنا في العالم وتعيد إلى أميركا سلطتها الأخلاقية. وفي هذا السياق أقترح تشكيل لجنة متخصصة داخل الكونجرس الأميركي تضم رؤساء اللجان الموجودة حالياً مثل لجنة القوات المسلحة، ولجنة العلاقات الخارجية، فضلاً عن لجنتي الاستخبارات والقضاء على أن يمتد عملها طيلة ستة أشهر يتم فيها تدارس مسألة مكافحة الإرهاب والسعي إلى إيجاد الحلول المناسبة لها. وحتى يحظى عمل اللجنة بالتأييد وتكتسب المصداقية الضرورية لنجاحها، لابد من تشكيل هيئة من المستشارين تعمل إلى جانب اللجنة وتشمل زمرة من خيرة السياسيين والقضاة الذين يتمتعون بالخبرة والنزاهة. إننا في أمسِّ الحاجة اليوم إلى إطار قانوني جديد وإجماع وطني شامل يستطيع النهوض بالتحديات الراهنة التي يطرحها الإرهاب، ويحترم في الوقت نفسه تقاليد الحرية والمساءلة التي قامت عليها الولايات المتحدة وشكلت مصدر قوتها على مر التاريخ. جون هامر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نائب سابق لوزير الدفاع الأميركي ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - واشنطن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"