يستطيع الرئيس الصيني "هو جينتاو"، الذي وصل يوم الاثنين الماضي إلى نيودلهي بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين، وهي الأسرع نمواً في العالم على الصعيد الاقتصادي، أن ينعم بالراحة والطمأنينة، كونه لن يجد متظاهراً واحداً على الأقل لكي يزعجه خلال زيارته. ففي 2002 عندما قام رئيس الوزراء الصيني وقتها "زو رونجي" بزيارة إلى مومباي، تسلق "تينزين تسونديو"، وهو ناشط من "التيبت" بناية من أربعة عشر طابقاً، وأنزل راية عملاقة تحمل شعار "من أجل تيبت حرة" لتتدلى أمام الفندق الذي كان يقيم فيه رئيس الوزراء الصيني. وفي العام الماضي ظهر أيضاً "تسونديو" على سطح برج يصل ارتفاعه إلى 200 قدم يطل على البناية التي اجتمع فيها رئيس الوزراء الصيني مع علماء هنود، ورمى منشورات على المارة تقول: "وين جيابو، إنك لا تستطيع إخراسنا". لكن يبدو أنه تم خلال هذا العام إخراس "تسونديو" وإن لم يكن ذلك من قبل السلطات الصينية. فقد استندت الشرطة الهندية إلى قانون جنائي يعود إلى الحقبة الاستعمارية في منع "تسونديو" من السفر، حيث حظر عليه الخروج من بلدته في الهيمالايا التي يعيش فيها "الدلاي لاما" الزعيم الروحي للتيبت إلى جانب 100 ألف من اللاجئين الفارين من الصين. ولتفادي قدومه إلى مومباي والتعبير عن احتجاجه أمام الرئيس الصيني فرضت عليه الشرطة الهندية رقابة لصيقة كتمت أنفاسه وقيدت حركته. وإذا كانت ملاحقة الشرطة لمتظاهري التيبت واعتقالهم ليست أمراً جديداً في الهند، إلا أن تضييق الحكومة الهندية على "تسونديو" وهو أهم ناشطي التيبت يثير تساؤلات عديدة حول القيم الأخلاقية التي من المحتمل أن تجسدها الصين والهند وهما القوتان الصاعدتان خلال القرن الحادي والعشرين. وفي هذا الإطار رأينا كيف توددت الصين والهند إلى الحكام العسكريين في ميانمار حتى بعدما مارس النظام قمعاً شديداً للمواطنين، وهو ما يشير إلى أن حقوق البورميين لن تقف عقبة أمام مواصلة العلاقات التجارية بين النظام والبلدين. وبالمثل تشير الصداقة الصينية المتنامية مع السودان إلى عدم اكتراثها بالانتهاكات التي ارتكبت في دارفور وأن ذلك لن يوقف استمرار تدفق المواد الأولية إلى الصناعة الصينية المتعطشة إلى المزيد من الموارد. وقد لا يبدو التركيز على المصالح التجارية وإعطاؤها الأولوية على ما عداها في السياسة الخارجية أمراً غريباً في الصين بالنظر إلى انسجام ذلك مع سياساتها المعروفة في هذا المجال. لكن الفرق بين الواقع والصورة أوضح في حالة الهند التي دائماً تقول إنها أكبر ديمقراطية في العالم بطبقتها الوسطى المتعلمة ووسائل الإعلام الحرة التي تتوفر عليها. ومع ذلك تظل الحقوق الأساسية للأفراد مثل التزود بمياه نظيفة، والطعام، والحصول على العمل تصورات مجردة بعيدة عن مئات الملايين من الهنود الذين نادراً ما تتطرق وسائل الإعلام إلى مأساتهم في غمرة تركيزها على المشاهير والاستهلاك. وفي هذا الصدد يمكن اللجوء إلى ثقافة الجشع الشائعة في الهند لتفسير السبب وراء قتل امرأة من قبل زوجها، أو أصهارها كل 77 دقيقة بسبب عجزها عن دفع مهر الزواج جرياً على العادات المتبعة في الهند. وكثيراً ما يوجه المثقفون في الهند انتقاداتهم اللاذعة إلى التجاوزات الأميركية سواء تعلق الأمر بمعتقل جوانتنامو، أو سجن "أبوغريب"، وقصور الإعلام الأميركي عن كشف الحقائق قبل الحرب على العراق وانجرافها مع التيار الرسمي. لكن الإعلام الهندي لم ينشر ولو تقريراً واحداً عن أعمال التعذيب والإعدام من دون محاكمة التي راح ضحيتها المئات من المدنيين في كشمير طيلة العقد الأخير. ومن ناحية أخرى تعتبر المشاعر القومية في الصين شراً قابلاً للسيطرة من قبل السلطات الصينية التي تلجأ إليه في بعض المناسبات لتسيير احتجاجات شعبية ضد اليابان، أو الولايات المتحدة. لكن في الهند خرجت الحركة الدينية القومية من عقالها خلال العشر سنوات الأخيرة، حيث أجرت تجارب نووية، وهددت الأقليات، كما توعدت باكستان بحرب شاملة. وفي 2002 قام أعضاء هندوس قوميون من داخل الحكومة الهندية في ولاية جوجرات الواقعة غرب البلاد بالتحريض على أعمال العنف التي أودت بحياة أكثر من 1600 مسلم. ولا يمكن التعويل فقط على الأسواق الحرة وتنظيم انتخابات دورية لإحلال الديمقراطية، لأنها لا تكفي لتشكيل مجتمع مدني. وفي هذا السياق يتعين تقوية المؤسسات المجتمعية والجامعات، فضلاً عن وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان التي باستطاعتها لفت انتباه الرأي العام إلى مصير الفئات الهشة وما تعانيه من فقر وتهميش والمساهمة في نشر أفكار الكرامة الإنسانية والتضامن. ورغم أن هذا المسعى لم يتحقق حتى في الديمقراطيات الغربية العتيدة مثل الولايات المتحدة وغيرها، إلا أنه على الأقل توجد مؤسسات ليبرالية تعمل جاهدة لتحقيق تلك الأهداف حتى في ظل تحالف الحكومات الأميركية المتعاقبة مع العديد من الأنظمة الظالمة في العالم. وبالنسبة للعديد من المراقبين قد يبدو انتقاد الدول الغربية للاستثمارات الصينية في السودان، والمبادرات الهندية تجاه ميانمار على أنه محض نفاق بالنظر إلى تاريخ الغرب الطويل في استغلال أفريقيا ومهادنة أبشع أنظمتها الديكتاتورية، لكن كما يقال يعتبر النفاق بمثابة اعتذار للرذيلة من الفضيلة. فمهما اهتزت مصداقيتها على مستوى الممارسة الفعلية لا يمكن استبعاد فكرة الفضيلة والأخلاق من مجال صناعة القرارات السياسية. وإذا استمرت الهند والصين في استخفافهما بالأخلاق وإقصائها عن السياسة فإنه قد يأتي يوم على النخبة في البلدين تجد فيه العالم يتحسر على تلك الفترة التي كانت تدعي فيها أميركا القيادة الأخلاقية للعالم، حتى ولو كان ذلك نفاقاً. بانكاج ميشرا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في لندن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"