الأجواء ساخنة بين مجلس الأمة والسلطة التنفيذية في الكويت, ولا يلوح في الأفق ما يدعونا للتفاؤل بحل أزمة العلاقة بين السلطتين. الأزمة ليست جديدة, فنحن تعودنا على الأزمات والمشاحنات, ويبدو أن الديمقراطية الكويتية لا تعيش إلا في جو مليء بالتوتر, وأن نوابنا بحاجة الى التسخين, وحكومتنا تعودت على "الترهل" وفقدت اللياقة السياسية, كما تعوّد الناس على سخونة الأجواء السياسية, ولم تعد تثيرهم تصريحات النواب أو الوزراء. وفي ظل هذه الأجواء الساخنة يسأل الإنسان نفسه: إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه؛ الحكومة تلوم المجلس, والمجلس يقول بأن الحكومة تدير المؤامرات وإنها تسعى إلى تقليم أظافر الديمقراطية..؟! الحكومة لديها أخطاؤها, وهي تعيد بعض هذه الأخطاء, ولديها حساسية مفرطة من المجلس التشريعي, وتفهم الديمقراطية بطريقتها الخاصة. فلا يعقل أن يتحول المجلس إلى أعضاء في الحكومة، يبصمون على كل ما تريده، إذ أن الديمقراطية تعني قبول الرأي الآخر والتعامل مع الخصم، ولا طعم لديمقراطية دون معارضة. لو استطاعت الحكومة أن تفهم الديمقراطية بأبعادها المختلفة لتغير الحال ولأصبح لدينا وزراء يجيدون لعبة الديمقراطية وقواعد العمل الديمقراطي. أما المجلس فهو أيضاً يعاني من أزمة كبيرة, ذلك أن معظم أعضائه، وببساطة، لا يجيدون هم أيضاً لعبة الديمقراطية, بل إن بعضهم يسيء استخدامه لسلطته الرقابية والتشريعية, ويعتقد بأن أفكاره وآراءه يجب أن تحظى بالقبول. بعض الأعضاء لديهم طموحات غير واقعية ولا يفكرون كرجال دولة, ويعتقدون أن الديمقراطية تعني تحقيق مطالبه وكأنه يعيش في بيته وله ما يريد وينسى بأنه ممثل للأمة, والأمة تعني مصالح مشتركة وليس مصالح فئة أو طائفة أو عائلة. ليست لدينا ثقافة ديمقراطية، سواء في الحكومة أو في مجلس الأمة, وما نشاهده من تطاحن يصيب الديمقراطية بشلل ويعطل أدواتها. العضو الذي نجح بفعل قوة القبيلة أو الطائفة أو العائلة, لا يمثل إطاره الاجتماعي الضيق, بل يمثل الكويت والكويتيين بأطيافهم على اختلافها, ومطالبه يجب أن تكون نابعة من مصلحة عامة تخدم الوطن وأهله. موضوع الفساد ومكافحته، هو إحدى أهم القضايا الخلافية حالياً؛ فالحكومة تريد أن تقضي عليه، والمجلس يرى تراخياً في ذلك, ويتهم الحكومة بتسهيل الفساد لـ"القريب من القلب" وبأنها مازالت غير قادرة على اقتلاعه من جذوره. نحن نتفق مع المجلس على أهمية مكافحة الفساد والتضييق على ذوي النفوذ الفاسدين, إلا أننا نقول بأن الحال من بعضه, بمعنى أن هناك البعض من أعضاء المجلس ممن باتت تفوح من حولهم روائح الفساد، ولا نجد من يتصدى لهم بين أعضاء المجلس نفسه! وهكذا فقد أصبح "تحدي القانون" ماركة يتنازع عليها كل من المجلس والحكومة؛ فالمجلس يمارس كسر القانون ويطالب الحكومة باحترامه, والحكومة تغض الطرف وتسهل ممارسة اختراق القانون لـ"القريبين من القلب"! أين يقع النظام السياسي مما يحدث في البلاد, فالنظام برمته, عليه مسؤولية تاريخية في حفظ التوازن بين كافة الأطراف, وليس من الحكمة أن تترك الأوضاع كما هي الآن, ولا نعتقد بأن النظام غير قادر على تحديد رؤيته لمستقبل البلاد. أوضاعنا جميعاً، سواء المحلية منها أو الإقليمية، لا تسعد النفس, بل هي أوضاع مقلقة تدعونا لتحكيم العقل في إدارة الدولة؛ فالدولة لا تدار بعفوية، كما قال رئيس مجلس الأمة في حضور صاحب السمو أمير البلاد. الكويت لا تحتمل المزيد من الهزات السياسية, ولعل الجميع يفكر بعقل الأمة, كي يعي بأن الديمقراطية تعني التعايش مع المنافس والخصم والطرف الآخر, وليس بها غالب ومغلوب طالما الكويت هي المستفيد الأول. د. على الطراح altarrah@hotmail.com