انقسامُ الحكومة في واشنطن قد يكون مفيدا للعلاقات الأميركية-الروسية. هذا هو رأي بعض الخبراء الروس الذين يرون أن فوز "الديمقراطيين" في انتخابات التجديد النصفي، هذا الشهر، قد أرغم الرئيس الأميركي جورج بوش على اللجوء إلى دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقد وقع الرجلان اتفاقا مفاجئا يوم الأحد وضع حدا لاثنتي عشرة سنة من المعارضة الأميركية لانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، مما يرفع بالتالي حاجزاً رئيسياً كان يقف أمام نيل روسيا عضوية هذه المنظمة العالمية. وفي هذا الإطار، يقول "فيكتور كريمينيوك"، نائب مدير معهد دراسات الولايات المتحدة وكندا في موسكو "إن الشيء الوحيد الذي حال دون انزلاقٍ كلي إلى حرب باردة جديدة هو العلاقة الشخصية بين بوش وبوتين"، مضيفاً "واليوم، ونتيجة الانتخابات التي أضعفت بوش كثيراً، فإنه يسعى إلى التقرب من بوتين من أجل مساعدته بخصوص عدد من مواضيع السياسة الخارجية مثل إيران، مستعملا الجزرة الوحيدة التي في يده ألا وهي عضوية منظمة التجارة العالمية". والحال أنه بالرغم من دفء العلاقات الشخصية بين بوش وبوتين، والتحسن المؤقت في العلاقات الثنائية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، فقد طفت على سطح العلاقات بين البلدين منذ ذلك الوقت خلافاتٌ حول عدد من قضايا الأمن العالمي من قبيل الحرب في العراق وكيفية التعاطي مع تحدي برنامج إيران النووي. وإلى ذلك، كانت منظمة إقليمية تقودها روسيا والصين قد طالبت العام المنصرم بإزالة قواعد عسكرية أميركية من منطقة آسيا الوسطى، خاصة جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، في وقت كثف فيه التحالف العسكري الغربي "الناتو" من اتصالاته مع جيران روسيا مثل جورجيا وأوكرانيا. كما ازدادت خلال العام الماضي حدةُ الانتقادات الأميركية لسياسات بوتين الداخلية واستعمال روسيا المفترض لـ"الابتزاز في مجال الطاقة" بهدف الضغط على جيرانها ممن يبدون ميولاً تجاه الغرب. ووسط تصاعد الخلاف حول هذه القضايا المثيرة لقلق الجانبين، كان الاتفاقُ التجاري الذي يقع في 800 صفحة والذي تم توقيعه يوم الأحد الماضي يبدو في طريقه إلى أحد الرفوف ليطويه النسيان، بعدما فشل بوش وبوتين في المصادقة عليه في قمة مجموعة الثماني في سان بطرسبرغ. أما اليوم، وفي حال المصادقة عليه من قبل الكونغرس–مع التشديد على كلمة "في حال" نظراً لمعارضة "الديمقراطيين" التقليدية لاتفاقيات التجارة الحرة- وتم قبوله من قبل أعضاء المنظمة المئة والخمسين، فسيمثل الاتفاق إعلانا بقدوم روسيا كعضو كامل العضوية إلى السوق العالمية بعد فترة استمرت 15 عاما كان ينظر إليها فيها على أنها اقتصاد "انتقالي" يتلمس خطواته خلال مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي. وفي هذا السياق يقول "يروسلاف ليزوفوليك"، الخبير الاقتصادي بالبنك الألماني في موسكو، "سيشكل ذلك أهم تركة لفترة بوتين الرئاسية على الإطلاق"، مضيفاً "إنها تعني في الواقع أن روسيا تتجه نحو سياسة أكثر عقلانية تقوم على المنافسة وقواعد السوق، بغض النظر عما قد تقوله مؤشرات أخرى". وبمقتضى الاتفاق الموقع عليه، تتعهد روسيا بفتح القطاعات التي كانت مغلقة سابقاً في اقتصادها مثل الخدمات المالية والسيارات والطيران وتكنولوجيا الحواسيب مقابل فتح الأسواق العالمية أمام المنتوجات الروسية. كما التزمت موسكو أيضا بالقضاء على الفساد وغسل الأموال وسرقة الملكية الفكرية، التي كلفت الشركات الأميركية ما يقدر بـ1.8 مليار دولار عام 2005. وإذا كان من المتوقع أن يصادق "الدوما" على الاتفاق بسهولة، فإن عدداً من المراقبين لا يخفون خشيتهم من حدوث تداعيات على الاقتصاد الروسي. وفي هذا السياق، تقول "أولغا بيلينكايا"، الخبيرة الاقتصادية في موسكو، "قد نواجه فترة ركود حادة في قطاعات عدة من الصناعة كالسيارات والطيران والزراعة"، مضيفة "كما قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في البطالة، إضافة إلى ازدياد الاعتماد الروسي على الواردات". ولعل مبعث القلق الأول هو إمكانية أن يقع الاتفاق رهينة ما يعتبره كثيرٌ من الخبراء تدهوراً متزايداً في العلاقات الأميركية-الروسية، إذ يقول "كريمينيوك": "إن صورة روسيا في الولايات المتحدة اليوم هي صورةُ دولةٍ سلطوية تمتلك أسلحة نووية وسياسة قوية تجاه جيرانها في مجال الطاقة"، مضيفا "والواقع أن الأمر متبادل، إذ يُنظر إلى الولايات المتحدة في روسيا على أنها عدو في الرأي العام ونشرات الأخبار التلفزيونية والدوما". والحال أن عقبة أخرى مازالت موجودة وتتمثل في معارضة دولتين صغيرتين سوفييتيتين سابقتين هما جورجيا ومولدوفيا اللتان تقولان إنهما ستعرقلان انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية إلى أن تبدأ روسيا في معاملتهما معاملة جيدة. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة "إيتار-تاس" الرسمية عن وزير الإصلاح الاقتصادي الجورجي "كاخا بيندوكيدز" قوله: "لا يمكن لروسيا أن تصبح عضوا في منظمة التجارة العالمية من دون موافقة جورجيا". ويقول "نيكولاي ليفينتسيف"، الأستاذ بمعهد العلاقات الدولية الذي يدرب الدبلوماسيين الروس، "بالنظر إلى معارضة جورجيا، يبدو أن المنطق السياسي أقوى من المخاوف الاقتصادية"، مضيفاً "الحقيقة أن جورجيا قد تفلح في تأخير العملية لبعض الوقت، غير أنها لا تستطيع أن تزيلها عن سِكَتها". ويرى الخبراء الروس أن الاتفاق التجاري يشكل انتصارا باهرا لبوتين، انتصارا يكرس ويدعم قوته السياسية المتزايدة. إذ ارتفعت شعبية الرئيس الروسي بعد سبع سنوات من النمو الاقتصادي المتعثر في روسيا، وذلك بفضل الفائض التجاري نظرا لارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، والذي مكن روسيا هذا العام من تسديد ديونها لنادي باريس والبالغة 25 مليار دولار، وإعادة إطلاق عملتها التي كانت مثارا للسخرية في الماضي لتصبح عملة قابلة للتحويل. فريد وير ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في موسكو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"