ليس هناك في العالم مَن لم يسمع عن جامعة "السوربون" الفرنسية العريقة التي تأسست عام 1257، وليست هناك دولة لا تتمنى أن تحتضن صرحاً علمياً بحجم "السوربون"، ولذا لم يكن غريباً هذا الاحتفاء الإماراتي بافتتاح أول فرع لجامعة "السوربون" خارج فرنسا في مدينة أبوظبي، فالمسألة تتجاوز في جوهرها تشابه المباني والمسمّيات بين "سوربون" باريس، وفرعها في أبوظبي، فقد أكد مسؤولو "السوربون" غير مرة، أن مستوى التعليم الراقي الذي يتمتع به حرم باريس، سيكون ذاته في أبوظبي، مع العلم أن الأساتذة هم جميعهم من أساتذة "السوربون" الباريسية. وفي ردودهم على التساؤلات المثارة بشأن كيفية تأقلم الطلاب غير الفرانكفونيين مع الدراسة بـ "سوربون" أبوظبي، يقول مسؤولو الجامعة، إنهم سينظمون دورات دراسية مكثفة في اللغة الفرنسية للطلاب الراغبين، وبما يضمن بلوغهم مستوى يؤهلهم للتسجيل في الجامعة. ويشير هؤلاء المسؤولون إلى هذه النقطة تحديداً بالقول: "حتماً لا ننوي الانتقاص من قيمة شهاداتنا. الطلاب هم الذين سيتأقلمون مع الشهادة وليس العكس". "السوربون" هي أكثر الجامعات الأوروبية شهرة ، وهي أحد المراجع الثقافية الموثوق بها عالمياً، وهي أيضاً رمز تاريخي للإشعاع الثقافي الفرنسي في مختلف أرجاء العالم. فـ "السوربون" لعبت دوراً بارزاً في إضفاء لقب (عاصمة النور والثقافة) إلى (العاصمة الباريسية). "سوربون" أبوظبي، هي جسر فعال بين الحضارة والثقافة الغربية ونظيرتها الإسلامية، وهي أيضاً نقطة اتصال وتواصل تعليمي وثقافي، وهي إلى جانب ذلك كله، قيمة نوعية مضافة للتعليم العالي بدولة الإمارات والمنطقة العربية بصفة عامة، حيث يأتي افتتاح "سوربون" أبوظبي في وقت تسعى فيه دولة الإمارات بخطى حثيثة إلى تطوير أنظمتها التعليمية وإعادة هيكلتها، بما يتواءم مع الأنظمة التعليمية الحديثة والمتطورة في الدول المتقدمة، وبحيث تتماشى مخرجات التعليم الجامعي مع احتياجات سوق العمل المحلية، التي تعد أحد الأسواق الأكثر تنافسية على الصعيد العالمي، بسبب ما توفّره من مغريات وفرص، تجعلها نقطة جذب هائلة للشركات الدولية والمهارات والكوادر البشرية من مختلف أرجاء العالم. إن وجود "السوربون" في أبوظبي، يعني أن دولة الإمارات على موعد مع جيل جديد قادر على التواصل مع الثقافة الفرانكفونية العريقة، ويعني أنها ستنقل تجربة إحدى أعرق جامعات العالم، في وقت تسعى فيه إلى تطوير مؤسساتها التعليمية كي تضاهي نظيراتها في دول العالم المتقدم. والأمر لا يقتصر على ذلك فقط، بل إن "سوربون" أبوظبي هي لبِنة جديدة في جدار العلاقات الإماراتية- الفرنسية، وهي بُعد نوعي يميز الشراكة بين البلدين، وأهميتها نابعة بالأساس من كونها موجهة في جوهرها إلى تنمية الإنسان الذي يحتلّ صدارة الأولويات ضمن أجندة صانعي القرار بدولة الإمارات. فالعلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وفرنسا ظلت تشهد في الآونة الأخيرة نقلات نوعية كبيرة ومتميزة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فيما يأتي المجال التعليمي مؤخرا ليضيف حلقة أخرى لا تقلّ أهمية. إن افتتاح جامعة "السوربون" لأول فرع لها في الخارج، يعكس قناعة الغرب عموماً بأجواء الانفتاح الثقافي، التي تتمتع بها دولة الإمارات، وتعكس بالمقابل حرص الإمارات على تطوير أدواتها الثقافية للتواصل مع العالم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.