يعتبر التحول الذي طرأ على فهمنا للحرب وبالتالي القوانين المرتبطة بها أحد التطورات المهمة لفترة ما بعد الحرب الباردة. فقد اكتسبت الحرب، هذا السلوك البشري الموغل في القدم، تعريفاً جديداً يختلف عن كل التعريفات السابقة. ولعله من بين أهم التعريفات التي تجاوزها الزمن اليوم ما يورده قاموس "ويبستر" حول تعريف الحرب بأنها "نزاع مسلح ومفتوح بين الدول والأمم". لكن هذا التعريف يبدو اليوم متقادماً بالنظر إلى الحروب الجديدة التي يشهدها القرن الحادي والعشرون، لتصبح في أساسها مجالاً للصراع بين فاعلين خارج إطار الدولة؛ مثل القبيلة والخلايا والعصبيات والشبكات وغيرها من الكيانات الصغرى التي خرجت عن عباءة الدولة وتمارس العنف على نحو مستقل خدمة لأجندة سياسية خاصة. وكما أن طبيعة الحرب نفسها عرفت تغيراً ملحوظاً على مر السنين، فإن القوانين والتشريعات المرتبطة بها تعرف هي الأخرى تغيراً في مفاهيمها وتفسيرها لبعض جوانبها. وبالطبع كانت دائماً فكرة تهذيب الحرب وجعلها أقل قسوة ودماراً، وهي النشاط الذي يستتبع بالضرورة إلحاق الخراب بالمباني وإزهاق الأرواح، حاضرة في أذهان المشرعين ومحط انشغال المنظمات الحكومية وغير الحكومية. وبالفعل نجح المجتمع الدولي في الاتفاق على مجموعة من القوانين الكفيلة بإخراج الحروب من شراستها المعهودة إلى فضاء أقل قسوة، لاسيما في مجال حماية أسرى الحرب وضمان حقوقهم. وفي هذا الإطار تبرز معاهدة جنيف لأسرى الحرب، وقانون لاهاي، فضلاً عن اتفاقيات أخرى تم السهر على تطويرها طيلة القرون السابقة لتعكس التغيرات التي طرأت على الحروب والمعايير الإنسانية. فقبل ستة قرون ما كان أحد ليعترض على الأمر الذي أصدره الملك هنري السابع وخلده شكسبير في مسرحيته عندما قال: "اقتلوا جميع الأسرى". لكن اليوم ما عاد ممكناً إصدار أوامر مشابهة، فضلاً عن إمكانية عصيانها دون التعرض لأذى ما دام ذبح الأسرى هو جريمة حرب لا تغتفر. وقد كانت آخر التعديلات التي أدخلت على قوانين الحرب هي تلك التي حصلت في جنيف، قبل أكثر من نصف قرن. لذا فالعالم اليوم في حاجة ماسة لقوانين جديدة تساير التطورات المستجدة التي لحقت بالحرب لتعكس المرحلة الراهنة التي يلبس فيها المقاتلون سراويل الجينز وقمصاناً رياضية بدلاً من الزي العسكري التقليدي. ولمواكبة هذا الواقع الجديد لابد للولايات المتحدة، باعتبارها القوة العالمية الأولى وصاحبة أكبر قوة عسكرية في العالم، من قيادة جهود تغيير قوانين الحرب لمعالجة الأخطار الراهنة المحدقة بالعالم. وفي هذا الصدد لم يعد بروتوكول جنيف قادراً على توضيح طرق وآليات التعامل مع الإرهابيين واستحداث إرشادات جديدة لكبح أخطارهم دونما المس بحقوق الإنسان المتعارف عليها. وفي ظل هذا الغياب لتشريعات تؤطر التعامل مع الإرهابيين، سعت إدارة الرئيس جورج بوش إلى ملء الفراغ الذي يعرفه القانون الدولي في هذا المجال، بدءاً من استحداث اللجان العسكرية عام 2001، وليس انتهاء بتطوير قوانين جديدة تحدد طريقة التعامل مع المعتقلين ومحاكمة "المقاتلين الأعداء" المنتمين لتنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان". والهدف هو التمييز بين هؤلاء المقاتلين المنضوين تحت لواء الإرهاب، وبين الجنود التقليديين، وبالتالي حرمانهم من وضعية أسرى الحرب. فحسب معاهدة جنيف تمنح وضعية أسرى الحرب للمقاتلين الذين يلتزمون بقوانينها، ويعملون ضمن تسلسل واضح في القيادة العسكرية، ويلبسون زياً موحداً ويحملون السلاح علناً. لكن بالعكس من ذلك، يكسب الإرهابيون ميزتهم القتالية من خلال الاختفاء بين السكان وإخفاء أسلحتهم، ثم التستر على القيادة العسكرية التي يأتمرون بأوامرها، هذا إذا كانت فعلاً موجودة. ولاشك أن وضعية أسرى الحرب مهمة بالنسبة لهؤلاء الذين اعتقلوا في ساحة المعركة، لأنها تضمن لهم العديد من الحقوق والامتيازات؛ بما في ذلك المعاملة الجيدة، والرعاية الطبية، وممارسة الرياضة، فضلاً عن حرية ممارسة الشعائر الدينية. وتنص معاهدة جنيف على أن أسرى الحرب مطالبون فقط بالإفصاح لمعتقليهم عن الاسم، والرتبة العسكرية ورقم التسلسل، فضلاً عن تاريخ الميلاد. فقد جاء في نص المعاهدة أنه "لا يجوز ممارسة أي نوع من التعذيب الجسدي والنفسي، أو أي نوع آخر من الإكراه للحصول على معلومات مهما كان نوعها". يضاف إلى ذلك أنه لابد من إطلاق أسرى الحرب حسب اتفاقية جنيف "دون إبطاء، وذلك مباشرة بعد وقف الأعمال العدائية". غير أن هذه القواعد التي وضعت أسسها معاهدة جنيف حول أسرى الحرب، تطرح مشكلات واضحة فيما يتعلق بالمتهمين بالإرهاب. فللحصول على معلومات مهمة عن هجمات إرهابية في المستقبل، لابد للحكومات من معرفة المزيد عدا أسماء الأسرى وتواريخ ولادتهم. هذا إضافة إلى إشكالية تطبيق القواعد الحالية على حرب ممتدة في الزمن، حيث يتعين في هذه الحالة الاحتفاظ بالمشتبهين في التخطيط للهجمات الإرهابية وإيواء المنفذين فترة أطول. ومع ذلك لابد من الحفاظ على المعايير الأساسية للاعتقال، وعدم انتهاكها مثل المراجعة الدورية لحالات المشتبه فيهم وإعادة تقييمها على ضوء التقدم المحرز. وقد سعى الكونجرس إلى معالجة كل تلك القضايا من خلال إقرار قانون اللجان العسكرية لسنة 2006 الذي يرمي إلى تعريف المقاتلين الأعداء (غير القانونيين)، وتوصيف معايير الاعتقال وسبل التعامل معهم. لكن لابد من الإشارة إلى أن هذه المقاربة الأحادية لمراجعة القانون الدولي، تجانب الصواب لما قد تشكله من سابقة للدول الأخرى تعيد من خلالها تفسير اتفاقات جنيف حسب مصالحها الخاصة، ما قد يضر بالقوات الأميركية المنتشرة في مناطق العالم. وقد حان الوقت لتبني مقاربة أكثر فاعلية للتعامل مع معاهدة جنيف للأسرى. فإذا كانت أميركا تطمح إلى إقناع باقي الدول بشرعية حملتها على الإرهاب، فلا مناص من استعادتها لسلطتها الأخلاقية عبر العمل مع مختلف الأطراف الدولية من أجل الاتفاق على ضوابط موحدة في التعامل مع الإرهابيين رهن الاعتقال. سكوت هولكوم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محامٍ أميركي ومستشار قانوني لجنرالات الجيش خلال حربي أفغانستان والعراق مارك ريبينج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحرر خطابات عمدة نيويورك السابق رودولف جولياني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"