على إثر الاختبار النووي الذي أجرته بيونج يانج مؤخراً، وما يثور من شكوك حول اقتفاء إيران لذات الطريق حالياً، فليس ثمة غرابة في أن يعتقد المرء، أن كل الذي يتواتر إلينا من أنباء، لا يحمل سوى السيئ منها، عن انتشار الأسلحة النووية. ولكن خلف هذا المشهد الإخباري الخادع، تكمن الأخبار الجيدة المفرحة. فعلى رغم أن هناك الكثير مما لا يزال واجباً القيام به، إلا أن الجزء الغالب من المواد النووية القابلة لتصنيع السلاح النووي، وهي المواد التي تقبع وتنتشر في مئات المباني المنتشرة في عدة دول في مختلف أنحاء العالم، قد أضحى أكثر أمناً وسلامة مما كان عليه قبل هجمات 11 سبتمبر. ولا يعني هذا شيئاً سوى صعوبة حصول الإرهابيين عليها أو سرقتها. وليس ذلك فحسب، بل تزداد الجهود الحثيثة الرامية للإزالة التامة لهذه المواد، من المواقع الأكثر عرضة لأيادي المتربصين. ومما يلفت النظر أن هناك ما يزيد على 130 مفاعلاً نووياً لأغراض البحث العلمي، تنتشر في عدة دول، وتستخدم جميعها اليورانيوم العالي الخصوبة وقوداً لها. والمعلوم أن هذه المادة هي الأسهل بين المواد النووية التي يمكن أن يستخدمها الإرهابيون لتطوير قنبلتهم الذرية. والمؤسف أن الكثير من هذه المواقع لا تتوفر له الحماية الكافية، ما يتركه عرضة لخطر السرقة النووية. وعلى امتداد العقود، نظمت وزارة الطاقة الأميركية سلسلة من البرامج الصغيرة التي عملت على جوانب مختلفة من الجهد الرامي إلى خفض خطر اليورانيوم العالي الخصوبة المستخدم للأغراض السلمية. غير أن المشكلة هي أن كلاً من تلك البرامج كان يعمل على هواه، دون أن تتوفر الإرادة ولا القيادة السياسية المطلوبة لتسريع إنجاز الهدف منها. لكن في عام 2004، أطلقت إدارة بوش مبادرة "خفض التهديد النووي الدولي"، في إطار جهد تكاملي، يهدف إلى تحويل المفاعلات البحثية المذكورة، إلى مفاعلات تعمل باليورانيوم المنخفض التخصيب، علماً باستحالة استخدام هذا النوع من الوقود في صنع القنبلة النووية. وقد تضمنت المبادرة ذاتها خطة ترمي إلى نقل اليورانيوم عالي الخصوبة من المواقع المذكورة، إلى أخرى أكثر أمناً وسلامة، إضافة إلى العمل على رفع مستوى الأمن النووي بوجه عام. وقد بدأت تلك الجهود تؤتي ثمارها مؤخراً. ففي شهر أغسطس الماضي، تمكنت وزارة الطاقة الأميركية، من استعادة 40 كيلوجراماً من اليورانيوم العالي الخصوبة، من بولندا إلى روسيا. وفي الوقت ذاته بذلت وزارة الطاقة جهوداً شبيهة بالتعاون مع الحكومة الفرنسية، أسفرت عن نقل وإزالة 85 كيلوجراماً من المادة نفسها، من عدة منشآت نووية أوروبية. وفي شهر أبريل من العام الجاري، أعادت كندا 23 كيلوجراماً أخرى من اليورانيوم العالي الخصوبة إلى الولايات المتحدة الأميركية. بل شملت الجهود نفسها نقل تلك المواد من عدة منشآت أميركية، منتشرة في كل من جامعة فلوريدا وتكساس في شهر سبتمبر الماضي. والذي يلاحظ عموماً أن إيقاع هذه الجهود قد تسارع منذ انطلاق المبادرة الأميركية الواردة آنفاً. وهذا ما يستدعي الثناء على أداء المسؤولين في وزارة الطاقة الأميركية وغيرها من الجهات والهيئات الدولية والإقليمية المشاركة في هذا الجهد، لجعلها عالمنا أكثر أمناً وسلامة مما كان عليه من قبل. غير أن جدية وإلحاح الخطر الإرهابي، يفرضان علينا بذل المزيد من الجهد، وإنجاز هذه المهام بأسرع مما هو عليه أداؤنا الحالي. أنتوني فاير وماثيو بن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ باحثان في "برنامج إدارة الذرة" بكلية كنيدي لشؤون الحكم بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"