في الأيام الماضية تلقيت في مصر عدداً من الآراء والتعليقات المتفاوتة، حول دعوتي في صحيفة "المصري اليوم" لتنظيم منتدى للحوار العربي- الإيراني في إطار الدبلوماسية الشعبية، لبحث المخاوف التي تراود بعض أشقائنا في دول الخليج، من التهديدات الإيرانية الممثلة في التوسع الجغرافي كما هو الحال في احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث، ومحاولة تصدير الثورة ببعدها المذهبي الشيعي، فضلاً عن فائض القوة الذي سيترجم نفسه في سياسات بسط النفوذ في حالة امتلاك سلاح نووي. اتصل بي وزير الإعلام المصري الأسبق الأستاذ منصور حسن معبراً عن تأييده لفكرة تنظيم الحوار قائلاً: إن العرب لا يجب أن يبقوا في موقع المتفرج على أشكال الحوار التي تجرى مع إيران من جانب القوى الرافضة لوجود سلاح نووي في منطقة الخليج، ذلك أن أوروبا تحاور إيران علناً والولايات المتحدة تلمح إلى استعدادها للتحاور معها حول العراق، وبالتالي فلا يجب أن نكون نحن العرب خارج دائرة الحوار، لأن غيابنا عن مائدته يمكن أن يؤدي إلى صفقات دولية لا تأخذ مصالحنا ومخاوفنا في الاعتبار. ورأى الأستاذ منصور حسن أن هذه المبادرة الشعبية للحوار يجب أن يترافق معها أيضاً موقف عربي مبادر إلى الحوار الرسمي ليتكامل المستويان الشعبي والرسمي، في الوصول إلى تفاهمات مرْضية للجانبين. من ناحية ثانية، اتصل بي بعض الأصدقاء المتخصصين في الدراسات الفارسية والإيرانية، تراوحت مواقفهم بين قبول دعوة الحوار حول أمن الخليج وبين التحفظ والشك في نوايا الإيرانيين، وهي نوايا لا ينفع معها الحوار في رأي أصحاب هذا الموقف. الاختصاصيون في الدراسات الفارسية بالجامعات المصرية، يحضرون بالفعل مؤتمرات مشتركة حول موضوعات أكاديمية متخصصة مع أقرانهم الإيرانيين، يعقد بعضها في مصر وبعضها في إيران وبعضها في سوريا، وبالتالي فلقد نظرت بعين التقدير والاعتبار للتفاوت في وجهات نظرهم. الفريق الذي يؤيد دعوة الحوار يرى أن الحوار يجب أن يجري مع العناصر الأكاديمية والإعلامية المقربة من التيار الحاكم حالياً في إيران في المقام الأول، لضمان وجود تأثير للأفكار العربية التي تطرح في دوائر صنع القرار الإيراني، حيث إن الدبلوماسية الشعبية من حيث المبدأ، تستهدف خلق اتجاهات في الرأي العام قادرة على التأثير في صنع القرار. ومع هذا، فقد رأى هذا الفريق من الخبراء في الدراسات الفارسية، أنه لا يجب إهمال وجود ممثلين للتيار الإصلاحي الغائب حالياً عن السلطة، حيث إن أنصار هذا التيار ما زالوا قادرين على التأثير في الرأي العام بدعوتهم الإصلاحية المعتدلة. أما الفريق الثاني من خبراء الدراسات الفارسية، فقد رأى من خلال احتكاكه المباشر بالدوائر الأكاديمية والإعلامية الإيرانية، أن هناك نعرة استعلاء قومي فارسي تعبِّر عن نفسها تجاه الحضارة العربية عامة، وتجاه الأشقاء في الخليج على نحو خاص. ولقد حدثني الأصدقاء الخبراء عن نماذج من الأفكار والمسالك العملية التي تفرزها هذه النعرة الاستعلائية التي لم تولد مع الثورة الإيرانية حديثاً، بل إن جذورها ضاربة في التاريخ. لقد وجدت نفسي في مواجهة هذه الآراء المبنية على الخبرة التخصصية في الشخصية الفارسية القومية، وعلى الاحتكاك الميداني العملي معها أشد تصميماً على ضرورة خوض تجربة منتدى الحوار العربي- الإيراني، ذلك أننا في حاجة فعلية لاختبار هذه النعرة على مائدة الحديث واكتشاف المدى الممكن لتطويعها لمبدأ الجوار الحسن والمصالح المتبادلة بين العرب وإيران. قلت للأصدقاء الذين أعتقد أن وجودهم على مائدة المنتدى سواء كانوا من الفريق المتفائل بالحوار أو المتشكك في جدواه.. دعونا نخوض التجربة تحت شعار واضح "الأمن المتبادل والمصالح المشتركة بين العرب وإيران". فلاشك أن وضوح الشعار سيسمح للطرفين بالتعبير الصريح الذي يفصح عن المكنونات بدرجة من المكاشفة النافعة في استنتاج النتائج. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ د. إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية - جامعة عين شمس