تدوِّي في الوقت الراهن أجراس الإنذار في الولايات المتحدة بعد تكشف أدلة على قيام الصين بتطوير أسلحة فضائية، مما يعزز الشكوك التي ظلت قائمة لفترة طويلة، حول اهتمام "جيش التحرير الصيني"، المتزايد بالفضاء كمسرح عمليات. والذي دقَّ جرس الإنذار الأخير هي اللجنة المستقلة التي شكلها الكونجرس لتقييم الأوضاع الاقتصادية والأمنية في الصين. وهذه اللجنة مُكلفة ببحث النوايا الصينية، وحث مشرعي القانون على الضغط على إدارة بوش من أجل الدخول في مفاوضات مع بكين حول تقليص محاولات عسكرة الفضاء. ويحث التقرير السنوي للجنة المسماة بـ"لجنة مراجعة الأوضاع الاقتصادية والأمنية للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة"، يحث الولايات المتحدة على تأكيد أهمية مزايا ما يعرف بـ"إجراءات الإنذار والتحقق الاستراتيجية"، والتي ستمكن كل دولة من الدولتين من الاحتفاظ بنظام الإنذار المبكر وأقمار التجسس الخاصة بها دون مساس. وليس هناك من شك في أن الفضاء قد تعسكر بالفعل منذ أن قامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق بإطلاق أول أقمار استطلاع اصطناعية خلال الحرب الباردة. وفي الوقت الراهن تبدو استخبارات الولايات المتحدة مصممة على انتزاع المعلومات المتعلقة ببرنامج الفضاء الصيني خصوصاً وأن المعلومات التي تتوصل إليها في هذا المجال هي التي تشكل عادة قوام التقارير التي يقوم "البنتاجون" برفعها إلى الكونجرس حول التهديدات الموجهة لأمن الولايات المتحدة. وقد تزايد القلق بشأن النوايا الصينية في سبتمبر الماضي وذلك عقب نشر تقرير مفاده أن الصين قد قامت خلال السنوات الأخيرة بإجراء اختبارات على سلاح ليزري يعمل من قواعد أرضية ضد أقمار الاستطلاع الاصطناعية الأميركية. والهدف المفترض لذلك السلاح -حسب تخمينات الخبراء العسكريين- هو تعمية تلك الأقمار بصفة مؤقتة أو دائمة. وقد ألمح التقرير المنشور في مجلة "ديفنس نيوز" إلى أن إدارة بوش قد لزمت الصمت حيال الموضوع لأنها تحتاج إلى مساعدة الصين في التعامل مع برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية. إلى ذلك، أُحيط أعضاء لجنة الاستخبارات بمجلس "الشيوخ" الأميركي علماً بمعلومات تتعلق بحادثة "جعلتهم يشعرون بالقلق الشديد" على حد قول "جريجوري كولاسكي"، الخبير في الشؤون الصينية باتحاد العلماء المعنيين بـ"البرنامج الأمني العالمي". والذي أكد أن أعضاء الاتحاد لن يكشفوا عن أي معلومات تتعلق بهذا الحادث. وكان ما قاله حرفياً في هذا السياق: "إننا لسنا واثقين بشأن ماهية الشيء إلا أن المؤكد أنه لم يتضمن استخدام ليزر". هذا الحادث قد يتضمن إجراء تجارب على صواريخ تعمل بالوقود الصلب تعكف الصين على تطويرها في الوقت الراهن. ويتكهن "كولاسكي" بأن الصين قد أجرت بالفعل تجارب على نسخة أولية من تلك الصواريخ يطلق عليها" كيه تي-1" عامي 2002 و2003 على التوالي. وأشارت تقارير دوائر عسكرية مختصة أن هذه التجارب قد فشلت. ولكن ذلك لم يؤثر على عزيمة الصين التي قررت على الرغم من ذلك المضي قدماً في برنامجها الخاص بإنتاج تلك الصواريخ وقامت بالفعل بتطوير صاروخ مكمل للأول هو الصاروخ "كي تي-2". وأهمية هذا الصاروخ بالنسبة للصين تنبع من قدرته على رفع 1800 رطل من المعدات إلى مدار جوي قريب من الأرض. وهذا الصاروخ قادر أيضاً على إطلاق أقمار اصطناعية صغيرة الحجم هدفها إعاقة الأقمار الاصطناعية الأميركية. وقال "كولاسكي" إن قدرة الصين على إتقان تقنية الوقود الصلب ستمكنها في حالة استخدام محركات متعددة المراحل من بناء صواريخ أصغر حجماً من هذه النوعية لمواجهة الأقمار الاصطناعية الأميركية يمكن إطلاقها من طائرة نفاثة مماثلة للسلاح الثلاثي المراحل الذي أجرت الولايات المتحدة اختبارات عليه عام 1985. وفي حين يذهب بعض الخبراء العسكريين إلى أن الجهود التي تبذلها الصين في مضمار الأسلحة الفضائية تقتضي من الولايات المتحدة العمل على المضي قدماً في تطوير أسلحتها المضادة لأقمار الاستطلاع وكذلك تطوير الوسائل الدفاعية التي يتم إطلاقها من قواعد فضائية. هذا في يذهب علماء عسكريون آخرون إلى القول بأن برنامج الأسلحة الفضائية الصيني لا يزال في مراحله الأولى، وأنه لا يزيد في بعض الحالات عن مجرد كونه أفكاراً وخيالات تداعب أذهان صغار الضباط في جيش التحرير الشعبي الصيني الذين يكاتبون مجلات عسكرية. ويعني هذا –إذا ما كان صحيحاً- أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على القيام بمحاولات هادفة للتأثير على اتجاهات البرامج الصينية من خلال الدبلوماسية، ومن خلال زيادة التعاون بين البلدين في برامج الفضاء. ويعلق "لاري ورتزيل" رئيس لجنة الصين -أميركا على ذلك قائلاً: "بصرف النظر عن الموضع الذي تقف فيه كل دولة من الدولتين في الوقت الراهن فإننا يجب أن نأخذ هذا الأمر بجدية بالغة". وللتغلب على مشكلة الافتقار إلى المعلومات يقول "ورتزيل" إن الطرفين يجب أن يتفقا على قواعد للسلوك العسكري في الفضاء وأن يعملا على توضيح ملابسات أي حادث طارئ مشبوه على نحو شبيه بما كان مطبقاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق إبان الحرب الباردة، عندما اتفقت الدولتان أن ترفع كل واحدة منهما يدها عن الأقمار الاصطناعية الخاصة بالاستطلاع والإنذار المبكر المملوكة للأخرى، وهي الاتفاقية التي يقول "ورتزيل" إنها لا تزال سارية حتى الآن. وبالنسبة لاقتراحات الحوار بين الدولتين بشأن برامجهما الفضائية يرى "كولاسكي" أن بدء الحوار حول موضوع عسكرة الفضاء سيكون في غاية الصعوبة في غيبة تعاون علمي وتعليمي وتجاري بين البلدين. وحتى يوجد مثل هذا التعاون فإن احتمالات التوصل إلى اتفاقية بشأن استخدامات الفضاء عسكرياً ستظل ضئيلة -كما يقول. بيتر. إن سبوت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في شؤون التقنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"