مضت أربع سنوات على الكشف عن البرامج النووية الإيرانية السرية، في الوقت الذي لم يؤدِّ فيه طريق الدبلوماسية والعقوبات الدولية إلى غاية. وكنا قد وافقنا في بادئ الأمر على التماسات حلفائنا الغربيين، بتقديم سلسلة من التنازلات لطهران، وهي التي بادرت بركلها ورفضها. ثم كان من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أن سعت إلى فرض عقوبات في غاية الهزال والضعف على طهران، من شاكلة حظر سفر المسؤولين الإيرانيين الذين عرفوا بعلاقتهم بالبرامج النووية إلى الخارج، عدا للأغراض الدينية وتلك المرتبطة بحقوق الإنسان. وفي الوقت ذاته تذهب تلك العقوبات إلى منع الدول الأجنبية من تقديم أي عون لبعض البرامج النووية الإيرانية، دون أن يشمل الحظر كافة البرامج. وعلى رغم ضعف هذا المقترح الأوروبي، فهو يبدو أقوى بكثير من مواقف مجلس الأمن الدولي. فمن جانبها سارعت روسيا إلى وصف تلك العقوبات بـ"المشددة" وأنه "لا يمكن لروسيا دعم أية إجراءات من شأنها فرض عزلة دولية على إيران". جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الروسية، "سيرجي لافروف". وبدا واضحاً الآن أنه ليس في مقدور روسيا ولا الصين، الموافقة على فرض أي عقوبات صارمة على طهران. وليس ذلك فحسب، بل حتى وإن قدر لهاتين الدولتين الموافقة على عقوبات بهذه الصفة، فإن ذلك لم يعد قادراً على لجم إيران ومنعها عما هي عازمة عليه. ذلك أن إيران قد أصبحت دولة "رسالية" ذات مهمة لن تتراجع عنها. فكما جاء على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد: "فبفضل دماء الشهداء، ارتفعت رايات الثورة الإسلامية الجديدة. وعليه فقد أوشكت حقبة القهر والهيمنة والاستبداد والظلم الذي تمارسه الأنظمة المتغطرسة على نهايتها. وسرعان ما ستضرب موجة الثورة الإسلامية شواطئ العالم بأسره". وفي كل هذا ما يكشف بوضوح أن قادة إيران المتشددين، لم يعودوا مستعدين لقبول فتات ما يقدمه لهم الغرب من رشاوى اقتصادية أو عقوبات، تضحية منهم بتلك النشوة الأيديولوجية العارمة التي تحققها لهم رؤيتهم الدينية. لكن وإن كانت العقوبات لا تجدي فتيلاً، فما الذي تبقى إذن؟ ربما يكون الحل في الإطاحة بالنظام الحاكم في طهران. ولكن كيف لهذا أن يتحقق مع المتشددين المتربعين على سدة الحكم هناك اليوم، وهو التغيير الذي لم يحدث قبل عقد مضى، يوم أن كانت مظاهرات الطلاب الاحتجاجية تجوب الشوارع، بينما كان يعلو نجم "الإصلاحيين" في سماء طهران؟ وبين هذا وذاك، تمضي إيران حثيثاً نحو استكمال تصنيع قنبلتها النووية، بما يجعل منها واقعاً ملموساً بين يوم وآخر. ولهذا السبب فإن لنا من الخيارات اثنين فحسب، لا ثالث لهما: إما أن نمتثل ونقبل بواقع أن تكون إيران دولة مسلحة نووياً، أو أن نستخدم القوة لمنع تسلحها نووياً. يشار هنا إلى أن "تيد كوبيل"، المحرر الإخباري لشبكة "إي بي سي" هو الذي دافع عن الخيار الأول بقوله: "فليكن لإيران إنْ عقدت العزم وأرادت أن تكون لها أسلحتها النووية. وفي هذه الحالة، فإن علينا أن نعتمد على تهديد الضربة الانتقائية الجوية، لمنعها من استخدام قنبلتها النووية". وفي المنحى ذاته كتب فريد زكريا، محرر "نيوزويك إنترناشونال" مشيراً إلى "أننا قد نجحنا في ردع دول نووية معادية أخرى، مثل الاتحاد السوفييتي والصين". ثم استكمل هذا المسار – هنا في صفحات جريدة "لوس أنجلوس تايمز"، المعلق "ويليام لانجفيتش"، بتلخيصه لهذا السلوك اللامبالي بالخطر النووي الإيراني بقوله: "لقد كان ولا يزال انتشار السلاح النووي أمراً لا مناص منه، ولذا فإن المهم هو التعايش معه بعد أن يصبح واقعاً". غير أن كل هذه الدعاوى، ليست أكثر من مجرد ترديد لنغمة اللامبالاة. فالحقيقة هي أنه يستحيل علينا العيش بأمان مع إيران النووية. وأحد هذه الأسباب الإرهاب، الذي تعد طهران راعيته، عبر شبكة من الجماعات والتنظيمات، من شاكلة "حزب الله" وغيره. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "ديلي تلغراف" مؤخراً، فإن طهران تحاول السيطرة على تنظيم "القاعدة" نفسه، وذلك بتنصيب وكيلها "سيف العدل" خلفاً لزعيم "القاعدة" المريض حالياً، أسامة بن لادن. ولما كان هذا هو الواقع، فكيف لنا أن نثق بألا تسرب إيران بعض موادها وتقنيتها النووية ليد الجماعات الإرهابية التي ترعاها؟ من رأي "تيد كوبيل" –الذي ورد ذكره آنفاً- أنه في وسعنا تفادي حدوث هذا، بإعلاننا إنذاراً عاماً بأنه وفي حال انفجار أي جهاز نووي في أراضي الولايات المتحدة الأميركية، فإننا سنحمل إيران المسؤولية عنه على الفور. ولكن السؤال هو، هل ثمة رئيس أميركي واحد يستطيع الإقدام على رد نووي على دولة أخرى، اعتماداً على الحدس والافتراضات وحدهما؟ أما السبب الثاني الذي يحول دون قبولنا لإيران النووية، فهو أن قنبلتها تمثل تهديداً بالغ الخطورة لدولة إسرائيل، البالغ تعداد سكانها نحواً من ستة ملايين نسمة. وعلى الرغم من أنه في وسع إسرائيل الرد على الضربة النووية الموجهة إليها، إلا إن علينا أن نأخذ بحكمة الرئيس الإيراني الأسبق المعتدل، هاشمي رفسنجاني، القائلة إن في مقدور قنبلة نووية إيرانية واحدة، أن تلحق دماراً شاملاً بإسرائيل، في حين أن توجيه ضربة مشابهة لأي من دول العالم الإسلامي لن ينجم عنه سوى إلحاق دمار جزئي. وعليه نقول إنه ليس من الصعب فهم سيناريو مدمر كهذا. وإذا كان هذا هو صوت الحكمة البراجماتية الواقعية في إيران، فكيف لنا أن نثق بمبدأ الردع النووي، وسيلة للجم تشدد نجاد؟ وحتى وإن لم تقدم طهران على إلقاء قنبلة نووية على إسرائيل، إلا أن مجرد حصولها على هذه القنبلة، ستكون له عواقب جد وخيمة. وأقل هذه العواقب، وفوق ما تمثله الاختبارات النووية الكورية الشمالية من خطر، فإن في حصول إيران على قنبلتها، ما يقضي على نظام حظر الانتشار النووي برمته. ولعل إحدى العواقب التي لم يولها المراقبون قدراً من الاهتمام والتفكير، على رغم احتمال كونها الأشد خطراً ودماراً، هي فيما لو تمكنت إيران من إحكام قبضتها الإقليمية على المنطقة. من ذلك مثلاً حذر العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين، من بروز دور "هلال شيعي" في المنطقة. وعلى رغم أهمية هذا التحذير، فإنه يقلل كثيراً من حجم الخطر الإقليمي المحدق. فلو كانت يد إيران قاصرة على نفوذها على الجماعات الشيعية وحدها، لأمكنت السيطرة عليها، بسبب أن المسلمين الشيعة لا يشكلون سوى أقلية دينية، إذا ما أخذنا في الاعتبار بغلبة العنصر السُّني في العالم الإسلامي كله، وكذلك بالانقسامات العرقية والثقافية القائمة بين العرب والفرس. ولنذكر هنا أن سوريا هي أقوى حلفاء طهران اليوم، على رغم الغلبة السُّنية فيها. ولذلك فإن الرابط ما بين طهران ودمشق، إنما هو رابط أيديولوجي وليس دينياً فقهياً. وفيما لو تمكنت طهران من فرض هيمنتها الإقليمية اعتماداً على أسلحتها النووية، فعندها سينطلق عقال نزاع دولي جديد، ليس أقل خطراً من ذلك النزاع المؤلم المرير، الذي خضناه من قبل ضد الاتحاد السوفييتي. بل سيصبح "صدام الحضارات" واقعاً عينياً ماثلاً بحق. والأخطر من ذلك أن تتسع ساحة هذا النزاع، لتمتد إلى منطقة جنوب شرق آسيا أو أفريقيا أو أوروبا، مثلما فعلت النازية من قبل. لا سبيل إذن لوقف هذا الخطر، سوى استخدام القوة، ليس كما فعلنا بغزونا للعراق، وإنما بتوجيه ضربات جوية للمنشآت النووية الإيرانية. جوشوا مورافيك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ باحث مقيم بمعهد "أميركان إنتربرايز" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"