يبدو أن العملة الخليجية الموحدة والمزمع إطلاقها في الأول من يناير من عام 2010، ربما تؤجل إلى ما بعد هذا التاريخ، حيث يمكن استشفاف ذلك من خلال تصريحين مهمين، صدرا في يوم واحد، الأول لوزير المالية السعودي، قال فيه إن إصدار العملة الخليجية الموحدة في التاريخ المشار إليه "يحتاج إلى تفكير دقيق". أما التصريح الثاني، فقد جاء على لسان الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العُماني، والذي ذكر فيه أن البنك المركزي العُماني كتب إلى أمانة مجلس التعاون الخليجي ما يفيد بأن الوحدة النقدية في المنطقة، قد يتعذر تحقيقها بحلول عام 2010، ذاكراً أن عُمان تؤيد الوحدة النقدية بين دول المجلس. بالتأكيد في مثل هذه الأشكال المتقدمة من التعاون، لابد وأن تكون هناك وجهات نظر متعددة، تتعلق بالتفاصيل وليس بالهدف الأساسي، الذي تسعى دول المجلس للوصول إليه، والمتعلق بإصدار عملة خليجية واحدة تعبر عن المصالح المشتركة لدول المجلس. التكتل الوحيد الذي أصدر عملة موحدة ذات أهمية حتى الآن هو الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن لدول مجلس التعاون الاستفادة من التجربة الأوروبية، خصوصاً وأن الاتحاد الأوروبي سبق وأن كُلف من قبل دول المجلس بإعداد دراسة حول العُملة الخليجية الموحدة. تجربة الاتحاد الأوروبي مهمة للغاية، وأول معانيها يكمن في صعوبة إجماع كل الأطراف على كافة القرارات في وقت واحد. فالعملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، لم يكن بالإمكان إصدارها في الوقت المحدد، لو طبق مبدأ الإجماع للموافقة على مثل هذه القرارات. وعندما طُرح "اليورو" كان الاتحاد الأوروبي يضم 15 دولة، وافقت 12 منها على الانضمام للوحدة النقدية واعتذرت 3 دول، هي: بريطانيا والنرويج والدانمرك، والتي لا زالت -رغم مرور خمس سنوات على إطلاق "اليورو" في يناير من عام 2002 - خارج الاتحاد النقدي، إلا أنها ملتزمة في الوقت نفسه ببقية أوجه التعاون الاقتصادي. وللحقيقة لا يوجد ما يعيب التعاون الاقتصادي في حالة غياب الإجماع، بل بالعكس يعتبر ذلك مصدر قوة للتكتل الاقتصادي، حيث يستطيع الأعضاء الممتنعون لأسباب خاصة بهم تهيئة بلدانهم للانضمام للوحدة النقدية، وهو ما نتوقع أن يحدث في المستقبل، وبالأخص للسويد والدانمرك، على اعتبار أن لبريطانيا أسبابها التي ربما تكون عاطفية أكثر من أي شيء آخر. دول مجلس التعاون الخليجي، وبعد أن أكملت 25 عاماً من التعاون البناء والمهم بإمكانها تطوير آلية العمل لديها ولتصدر العملة الخليجية الموحدة بالاتفاق بين أربعة أو خمسة من الأعضاء ولينضم البقية فيما بعد، خصوصاً وأن هناك تجارب خليجية لم يتم استكمالها في سبعينيات القرن الماضي. هناك تجربة لإصدار عملة موحدة بين الإمارات والبحرين وقطر، وتجربة أخرى تضم الكويت إلى جانب البلدان الثلاثة، إلا أن تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 نقل هذه المحاولات الجادة إلى برنامج مجلس التعاون، وإلى الاتفاقية الاقتصادية الموحدة. لقد قطعت دول المجلس شوطاً كبيراً نحو إصدار العملة الموحدة، يتضح ذلك من بيانات الاجتماعات الأخيرة لمحافظي البنوك المركزية ووزراء المالية والمجلس الوزاري، حيث جرى الحديث عن خطوات نهائية تتعلق باسم العملة والمصرف المركزي وقضايا إجرائية أخرى. من ذلك يمكن الاستنتاج بأن ما يعيق الاتفاق النهائي، ربما يكون أموراً أقل أهمية مما اتفق عليه عملياً حتى الآن من قضايا جوهرية تتعلق بعجز الموازنات ونسبة الدَّين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي والاحتياطات ونسب التضخم... الخ. لذلك، فإن الاتجاه العام يدعو للتفاؤل رغم التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين في كل من عُمان والسعودية، فالمصالح المشتركة بين دول المجلس كبيرة ومهمة لكافة البلدان، كما أن إصدار العملة الخليجية الموحدة سيشكل نقلة نوعية في التعاون الخليجي، وسيقدم مثالاً راقياً لبلدان العالم التي تسعى للتكتل في ظل أسواق عالمية تتسم بالمنافسة الشديدة والتطور السريع. نأمل أن يحتفل الخليجيون بعد ثلاث سنوات من الآن بإطلاق عملتهم الموحدة، مما يعني تسهيل انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين دول المجلس وتخفيض تكاليف انتقالها، ويضع دول المجلس على طريق استكمال وحدتها الاقتصادية من خلال توحيد الأنظمة والتشريعات الاقتصادية في المستقبل. د. محمد العسومي