الحديث الذي أدلى به صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله ورعاه" إلى صحيفة "الشرق الأوسط" ونشرته أمس، يصعب اختزال مضمونه في جمل وعبارات قصيرة، فالحديث ينطوي على تفاصيل دقيقة بالغة الأهمية من الصعب القفز عليها عند محاولة فهم ركائز السياسات الإماراتية. ومن الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من الحديث، أن النموذج الإماراتي في التنمية الشاملة متواصل وممتد زمنياً، ولم يكن مرحلة استثنائية في تاريخ دولة الإمارات، على اعتبار أن "الحراك الطبيعي للمجتمعات لا يجري في دوائر منفصلة أو منعزلة، وإنما هو سلسلة متصلة ما دامت الأهداف المجتمعية واضحة ومحددة، وما دامت عملية الانتقال من مرحلة إلى أخرى، تجري بصورة طبيعية سلمية"، كما قال صاحب السمو رئيس الدولة في تصريحاته. "وضوح الأهداف" هو الأساس والكلمة المفتاحية في مسيرة التنمية الإماراتية التي تحظى بإعجاب إقليمي ودولي، فلا فرص تذكر لنجاح أي تخطيط أو سياسات من دون تحديد دقيق للأهداف، بما يضمن تفادي هدر الوقت والجهد والأموال في الأخذ بمنهج "التجربة والخطأ"، أو في تطبيق خطط تنموية قائمة على أهداف ضبابية أو وهمية. وإذا ترجمت الرؤى المستقبلية الواضحة إلى أهداف محددة، وترافق ذلك مع منهج التدرّج المعمول به منذ تأسيس الدولة، وصولاً إلى التجربة البرلمانية التي تشهدها الإمارات حالياً، يمكن في إطار ذلك استيعاب أحد أبرز دروس التجربة التنموية الإماراتية، وهو الانطلاق من طبيعة المجتمع، وفهم خصوصيته، وضرورة توفير المعطيات والمقومات اللازمة لإنجاح أي خطط تطوير جديدة "من دون تسرّع قد يؤدي إلى التعثر". الحديث يكشف أيضاً عن توجّهات مهمة تجيب بشفافية عن العديد من التساؤلات المثارة في ساحة النقاشات خلال الآونة الأخيرة؛ أبرزها ما يتعلق بملف الخلل في (التركيية السكانية)، حيث أكد صاحب السمو رئيس الدولة، أن الدولة "تعي مخاطر هذا الخلل" مؤكداً أن "عودة الأمور إلى نصابها ليست مستحيلة، ولا عصيّة على الحلّ"، ما يمثل رسالة طمأنة واضحة في مواجهة المخاوف والقلق الوطني المشروع الذي يبديه الكثيرون إزاء احتمالات تفاقم الخلل وصعوبة السيطرة عليه مستقبلاً. وفي هذا الصدد كشف سموه عن استراتيجية ترتكز إلى محاور عدة، تستهدف الوصول بالخلل إلى معدلات آمنة والسيطرة عليه وإدارته، بما يضمن المصالح الوطنية من دون حاجة إلى اللجوء لإجراءات وقتية مجتزأة، قد تتعامل مع أعراض المشكلة من دون مواجهة جدّية ممتدّة لأسبابها ومبرّراتها. ويشير حديث سموه أيضاً، إلى أن هناك رهاناً كبيراً على دور المواطن خلال المرحلة المقبلة على صعد عدة، منها إنضاج التجربة الانتخابية البرلمانية التي انطلقت بمبادرة سامية من صاحب السمو رئيس الدولة، ووفق أسس تضمن لها الاستمرارية، وصولاً إلى المشاركة الكاملة للمواطنين في انتخاب ممثليهم في "المجلس الوطني الاتحادي"، وهناك أيضاً رهان على دور المواطن في تطبيق استراتيجيات التوطين التي تمثّل بدورها إحدى آليات التعامل مع خلل (التركيبة السكانية). حديث سموه يضع النقاط على الحروف في الكثير من الملفات، ويؤكد وجود مساحات هائلة من التوافق والترابط والانسجام بين ما يدور في الشارع الإماراتي وأروقة صناعة القرار، ويعكس ثقة مطلقة في مقدرة أبناء هذه الأرض على التفوق والإبداع في مختلف مجالات التنمية. وبموازاة ذلك كلّه تضمّن الحديث ما يبرهن على أن دولة الإمارات على موعد مستقبلي مع مزيد من الإنجاز والنجاحات المطّردة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.