تحت تأثير تفاقم الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، دعت وزارة الخارجية الأميركية إلى عقد اجتماع للقيادات العربية- الأميركية، استمر ليومين في بداية الأسبوع الحالي. وتوافد نحو هذا الاجتماع، ما يزيد على 200 من قيادات الجالية العربية، سافر بعضهم لمسافات طويلة على نفقته الخاصة، حرصاً على حضور الاجتماع والمشاركة فيه. كما شارك أحد عشر ممثلاً من مسؤولي وزارة الخارجية، في توجيه وقيادة المناقشات حول قضايا امتدت من العراق ولبنان وفلسطين، وصولاً إلى جهود ومساعي الدبلوماسية الأميركية العامة، الرامية إلى تعزيز ونشر الديمقراطية والإصلاح في المنطقة. وبسبب الفوضى الضاربة في المنطقة، ولكون كثيرين يحمِّلون السياسات الأميركية وزر ما يجري فيها، فقد كان النقاش محتدماً وحامياً. ومما زاد من حدة المناقشات، أن هذا الاجتماع كان الأول من نوعه، الذي تبادر الإدارة بعقده في مسعى منها للتواصل مع الجالية العربية الأميركية، على امتداد عدة سنوات. وبالمقارنة فقد كان يتكرر عقد اجتماعات كهذه خلال العقد الماضي، على أساس دوري. لكن وعلى رغم تعبير الكثيرين عن مشاعر الإحباط إزاء هذا التقصير، فقد جاءت المشاركات مسؤولة وعميقة في محتواها، بقدر ما تنطبق الصفات ذاتها على ما تلاها من حوار ونقاش. وبهذا المعنى فقد تلازمت الإرادة وروح المسؤولية مع مشاعر الإحباط التي سادت قاعة الاجتماع. فمن جانبها لم يكن بالأمر السهل أن تبادر وزارة الخارجية إلى تنظيم جلسات المؤتمر على امتداد اثنتي عشرة ساعة متواصلة، وأن ترسل كبار دبلوماسييها للمشاركة فيه والإدلاء بدلوهم في مجمل القضايا الدائرة في المنطقة، بل وأن تسعى للاهتداء بآراء المشاركين، وتطالبهم بالاستمرار في المشاركة في أية لقاءات لاحقة كهذه تهم المنطقة العربية. أما من جهة المشاركين من ممثلي الجالية العربية الأميركية، فقد جاءت انتقاداتهم وآراؤهم بناءة وموضوعية. ولاشك أنهم جاءوا جميعاً ليسهموا بما لديهم، مدفوعين بقلقهم وخوفهم على بلدانهم من هول الدمار الذي ألحقته بها السياسات الأميركية، وكذلك على ما ألحقته السياسات نفسها بسمعة أميركا ومكانتها في بلدانهم. وقد كان أن قدم اللبنانيون الأميركيون والفلسطينيون الأميركيون، وكذلك نظراؤهم العراقيون الأميركيون شهادات وإفادات عن التجارب المؤلمة التي مرت بها عائلاتهم وأصدقاؤهم. وكانت تلك الإفادات على قدر كبير من الفصاحة ووقع التأثير. ولم تقتصر مشاركة العرب الأميركيين في ذلك المؤتمر على تبادل الأفكار والآراء فحسب، وإنما استطالت إلى تقديم أنفسهم باعتبارهم جسراً واصلاً ما بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم العربي. وإلى جانب ذلك كله، فقد تم تعلم عدد من الدروس الأساسية في ذلك المؤتمر، وإن جاء التعبير عن تعلمها ضمناً لا جهراً. وفي مقدمة هذه الدروس، الإقرار بالمأزق الذي تمر به السياسات الأميركية في المنطقة، والوقوف على تفاصيل هذا المأزق ومختلف جوانبه، على نحو أعمق بكثير مما كان يظنه المسؤولون وصناع القرارات في الإدارة. وذلك هو ما كشفت عنه إفادات ومداخلات المشاركين من العرب الأميركيين، ومن الموفدين الحزبيين للمؤتمر، وكذلك المشاركين من كبار الشخصيات الأكاديمية والمهنية. وثاني الدروس التي جرى تعلمها، أن الاحترام المتبادل والاستماع إلى الآخر، وليس محاولة فرض الرأي الخارجي عليه، هو السبيل الوحيد لإدارة الحوار العميق البناء. وقد تبين ذلك واضحاً من خلال استجابات المشاركين في المؤتمر لسلوك الدبلوماسيين الموفدين من وزارة الخارجية. أما ثالث الدروس فيتلخص في ضرورة استثمار العلاقات المتبادلة بين العرب وصناع السياسات والقرارات في واشنطن. وبهذا نصل إلى آخر الدروس التي يكشف عنها المؤتمر المشار إليه. فعلى رغم التعقيدات والفوارق الداخلية، الناجمة عن تفاوت الأعمار واختلاف البلدان والنظرة السياسية، فإن الجالية العربية الأميركية، هي كيان واحد وينبغي التعامل معها على هذا الأساس في نهاية الأمر.