اليوم الأحد، يجري اقتراع الدور الأول من الانتخابات التشريعية والمحلية في موريتانيا، كخطوة أخرى في مسار الانتقال الديمقراطي هناك. وقد تمثلت الخطوة الأولى في طرح دستور معدل صوت عليه الناخبون الموريتانيون في استفتاء عام ومباشر قبل أربعة أشهر ونصت أهم التعديلات التي أضيفت للدستور الجديد على تقليص المدة الرئاسية إلى خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وتمت حماية المواد الدستورية ذات الصلة بولاية الرئيس، بمواد تحظر إجراء أي تعديل عليها، أو أي تغيير آخر يمس طبيعة النظام الجمهوري للدولة. وضمن ترسانة التشريعات الجديدة، أضيفت قوانين مكملة، بعضها ينظم عمليات الاقتراع الانتخابي، وبعضها يتناول إصلاح القضاء، ويتعلق بعضها أيضاً بقطاع الإعلام والحريات الصحفية... وذلك خلال "الأيام التشاورية" بين الحكومة والأحزاب السياسية. تعود بداية التفاعلات الحالية على الساحة الموريتانية إلى صيف العام الماضي حين قام ضباط عسكريون يقودهم العقيد علي ولد محمد فال بتنفيذ انقلاب أبيض، فجر يوم الثالث من أغسطس 2005، حيث استولوا على السلطة وأطاحوا بالرئيس معاوية ولد الطايع حين كان في زيارة للخارج، وذلك بعد 21 عاماً حكم خلالها البلاد. وعدَ القادة الجدد بإقامة ديمقراطية حقيقية، وبالانتصار لكرامة المواطن، وإشراكه في صناعة المصير، وبترشيد المال العام، وإقامة "الحكم الرشيد"، وبتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، والتخلي عن الحكم خلال عامين، قلصوها إلى 19 شهراً فيما بعد. وأكد "المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية" الحاكم على التزاماته أمام كل الشركاء الخارجيين، وفي مقدمتهم الاتحاد الأفريقي الذي بادر بتعليق عضوية موريتانيا، انتظاراً لاستكمال عملية الانتقال الديمقراطي فيها. وأعرب رئيس المجلس العقيد ولد محمد فال، مراراً عن أمله في أن يكون انقلاب 3 أغسطس آخر انقلاب عسكري في البلاد، معتبراً أنه لا سبيل إلى ذلك إلا ببناء دولة القانون وإرساء المؤسسات الديمقراطية وترسيخ آليات التناوب السلمي على السلطة. وقد أبدت الأحزاب والقوى السياسية التي عارضت ولد الطايع ردحاً من الزمن، ترحيبها بالانقلاب الذي نفذه المجلس، وأيدت خطواته اللاحقة، لكن أجواء الثقة بين الجانبين تضررت إثر انتقادات وجهها ولد محمد فال، في سبتمبر الماضي، إلى الأحزاب الموريتانية إجمالاً، متهماً إياها بالقصور والعجز، وبافتقارها إلى برامج مُقنِعة. إثر ذلك برزت إلى السطح "منسقية المستقلين" التي رأت فيها أحزاب "ائتلاف قوى التغيير" مجرد وريث لـ"الحزب الجمهوري" الحاكم سابقاً، وأنها تشكلت بإيعاز ودعم من المجلس العسكري وحكومته. والسؤال الذي يُطرح عشية اقتراع اليوم؛ هل من شأن الانتخابات الحالية أن تغير المشهد السياسي الموريتاني وتعيد صياغته؟ وهل توفر لها ما يكفي من شروط لضمان الشفافية وحياد السلطات المشرفة؟ لنلاحظ بداية أن السلطة لم تتبرأ علناً من لوائح "المستقلين"، لكنها استجابت لكثير من مطالب الأحزاب السياسية، وفي المقابل نحَّت هذه الأخيرة جانباً معظم اتهماماتها للعسكريين. ولنلاحظ بارتباط مع الملاحظة أعلاه، أن أغلب الساسة الموريتانيين لم يتعودوا الانضواء خارج عباءة السلطة، كما لم تعتدْ قطاعات شعبية واسعة على التصويت بمعزل عن خيارات المؤسسة الرسمية. ورغم شكوك تعتري البعض إزاء جدية الانتخابات الحالية، فإن الإجراءات المتخذة، بما فيها إنشاء لجنة مستقلة للانتخابات، وإعداد بطاقة موحدة للتصويت، واعتماد لوائح الناخبين المنقحة، والسماح للمراقبين الأجانب... ربما تمثل مؤشرات على أن مسلسل الانتقال الديمقراطي، في مرحلته الحالية، النيابية والمحلية، على الأقل، هو خيار حقيقي ولا رجعة عنه بالنسبة للسلطات الرسمية العليا! بيد أن التغيير دونه عقبات وعوائق، فالمرحلة القادمة ستحمل، بلاشك، بصمة الانقسام والتشتت التي ميزت انتخابات اليوم، حيث يتوجه نحو مليون ناخب موريتاني إلى 2336 مكتب اقتراع، لانتخاب 95 نائباً في البرلمان، و126 مجلسا بلدياً، تتنافس عليها 1664 لائحة (منها 1222 للبلديات) مقدمة من نحو 30 حزباً سياسياً وقوائم للمستقلين في تجمعين كبيرين. لذلك فإن أياً من القوى المتنافسة لن تفوز بأغلبية مطلقة، ما يعني استحالة وجود أغلبية مستبدة (حقيقية أو وهمية) في البرلمان أو المجالس المحلية المقبلة. لكن ماذا عن الكوابح والممانعات الاجتماعية والثقافية؛ كاستشراء القبلية، وسيطرة لوبيات المال، وإرث المرحلة السابقة... وأكثر من ذلك؛ تدني قيم الممارسة السياسية وضوابطها! محمد ولد المنى