حين يذهب الرئيس بوش في شهر يناير من العام المقبل إلى الكونجرس لإلقاء خطابه السنوي عن "حالة الاتحاد"، فإن من المتوقع أن تُقدمه إلى تلك الجلسة سيدة أميركية إيطالية الأصل، وجدة لستة أحفاد، هي "نانسي بيلوسي" زعيمة الأغلبية في مجلس "النواب". وعلى امتداد الجلسة كلها، ستلزم هذه السيدة مكانها في الخلف بجوار نائب الرئيس ديك تشيني. وستكون هذه لحظة تاريخية بحق، ليس لكون نانسي بيلوسي أول امرأة في التاريخ الأميركي، تتولى هذا المنصب فحسب، بل لأنها ستشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى تبدل كبير في موازين القوى في السابع من نوفمبر الحالي. وضمن ذلك، فقد تعين على بوش أن يتوصل إلى طريقة ما للتعامل مع "الديمقراطيين"، إن كان له أن يحقق شيئاً ذا معنى، خلال العامين الأخيرين المتبقيين من ولايته. ومما لاشك فيه أن العراق سيتصدر قائمة أشد المواضيع سخونة في جدول أعمال كلا الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي". فهناك من "الديمقراطيين" من يؤيد الإسراع في وضع جدول زمني محدد لبدء الانسحاب من العراق، وفي مقدمة هؤلاء السيناتور "جون مورثا"، وهو شخصية قوية مؤثرة من ولاية بنسلفانيا. ما يتوقعه البعض هو ألا يرغب أولئك "الديمقراطيون" الذين ينوون خوض الانتخابات الرئاسية لعام 2008، في أن يكونوا طرفاً في استراتيجية "الضرب والفرار" هذه. وتشمل قائمة هؤلاء السيناتور هيلاري كلينتون التي أعيد انتخابها للتو، عن ولاية نيويورك، مع العلم أنها تحتل المرتبة الأولى في قائمة المرشحين "الديمقراطيين" للمنصب الرئاسي. ومما يعرف عن هيلاري تأييدها لشن الحرب على العراق، إلى جانب وقوفها في مقدمة المطالبين من صفوف "الديمقراطيين" بإرسال المزيد من القوات الأميركية سابقاً، حتى يمكن استعادة الاستقرار وتحسين الوضع الأمني هناك. غير أنها أصبحت اليوم أكثر قرباً من رأي "كارل ليفن" الرئيس المرتقب للجنة الخدمات العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ. فهو من المطالبين الآن بخفض جزء من القوات الأميركية الموجودة حالياً في العراق، إلا أنه لا يدعو إلى تحديد جدول زمني لسحب هذه القوات ولا يشير إلى عدد الذين يجب خفضهم هناك. ومهما يكن، وفيما لو استمرت وتفاقمت حالة العنف هذه، وحافظ عدد القتلى من الجنود الأميركيين على الأرقام والمعادلات المسجلة في شهر أكتوبر الماضي –حيث قتل 106 منهم– فإنه لن يكون في وسع "الجمهوريين" ولا "الديمقراطيين" مقاومة المطالب الشعبية المتصاعدة، المنادية بانسحاب فوري مبكر من العراق، مصحوباً بتوجيه إنذار مبكر للحكومة العراقية بفعل ما من شأنه أن يساعد على حفظ الأمن وتراجع موجة العنف الطائفي في بلادها. يذكر أن أهم مؤشر لانتخابات 7 نوفمبر الماضي، يتمثل في الكشف عن تراجع ثقة الشارع الأميركي في الرئيس بوش. وفي الاتجاه ذاته، فقد نظر إلى طرد دونالد رامفسيلد من منصبه كوزير للدفاع، باعتباره خطوة لابد منها من أجل تصحيح مسار الأوضاع في العراق. إلا أن ذلك القرار وحده لا يكفي، ولا مناص من فعل المزيد على أرض الواقع والمعركة. ومن الأمور التي يتطلع إليها الشارع الأميركي، ما إذا كانت الإدارة ستأخذ بتوصيات لجنة بيكر، المتوقع لها نشر ما توصلت إليه في نهاية شهر ديسمبر المقبل، بما تحمله من مؤشرات على ضرورة إجراء تغييرات جوهرية في السياسات المتبعة حالياً في العراق، بما فيها إعادة نشر قواتنا الموجوده فيه أم لا؟ وإلى جانب المعضلة العراقية، فإن هناك تحديات أخرى تواجه "الديمقراطيين" الآن لا تقل خطراً ولا أهمية. والمقصود بهذا أزمة البرنامج النووي الإيراني وطموحات إيران النووية. وما لم يبلور "الديمقراطيون" سياسات موحدة ومتماسكة إزاء كل من العراق وإيران، فإن على الأرجح أن يخسروا قسطاً كبيراً من المصداقية التي منحت لهم، باعتبارهم قوة طاغية في الكونجرس الجديد، وبالتالي ربما يخسرون الشعبية اللازمة لهم كبديل محتمل لـ"الجمهوريين" في انتخابات عام 2008.