لطالما رغبت "كاريان أنتوين" معلمة المرحلة الابتدائية بجزيرة "سانت لوسيا" الكاريبية، في مواصلة تعليمها إلى ما بعد دبلوم العامين، الذي حصلت عليه من إحدى كليات التعليم في بلادها. غير أن فكرة الالتحاق بجامعة أو كلية من الكليات الأميركية لم ترقْ لها مطلقاً، خاصة فيما بعد هجمات 11 سبتمبر. لكن وعلى أية حال، فقد تجاوزت "كاريان" ذلك الخوف مؤخراً، وها هي تشق طريقها نحو الحصول على شهادتها الجامعية من كلية "لينشبيرج" بولاية فرجينيا. وكانت قد سجلت للالتحاق بهذه الكلية في مجال تأهيل معلمي الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة. وبذلك فقد أصبحت الطالبة رقم 23 بين الطلاب الأجانب الذين التحقوا ببرامج الدراسات الإنسانية التابعة لكلية "لينشبيرج". والأهم من ذلك أنها تعد أحد مؤشرات الارتفاع الطفيف في عدد الطلاب الأجانب، الذي بدأت تشهده الجامعات والكليات الأميركية، منذ وقوع الهجمات الإرهابية في عام 2001. وفي الوقت الذي يؤمل فيه العاملون والمستثمرون في قطاع التعليم، أن يكون هذا مؤشراً فعلياً على بدء استعادة أميركا لمكانتها السابقة، باعتبارها قِبلة جاذبة للطلاب الأجانب الراغبين في مواصلة تعليمهم في دول خارج حدود بلادهم، إلا أنهم يدركون أن اجتذاب المزيد من الطلاب من أمثال "أنتوين" وخلافها، إنما يتطلب تنسيق جهود مشتركة ومكثفة بين كل من مؤسسات التعليم العالي والحكومة الأميركية. وعلى رغم أن عدد الطلاب الأجانب الحاليين في أميركا لا يتجاوز الـ565 ألف طالب، فإن الولايات المتحدة، مع ذلك، تظل الوجهة الأكثر شعبية التي يتجه نحوها هؤلاء الطلاب، قياساً إلى بقية دول العالم الأخرى. غير أن هذا لا ينفي حقيقة انخفاض العدد المذكور وقصوره عن تحقيق طموحات خطة عام 2003 الرامية إلى رفع عدد الطلاب الأجانب في الجامعات الأميركية، إلى 584 ألف طالب على أقل تقدير. وعلى حد قول خبراء التعليم، فإن تذليل الحكومة الأميركية –لاسيما سلطات الهجرة والجنسية- لإجراءات الحصول على تأشيرات دخول وإقامة الطلاب في الولايات المتحدة، تعد عاملاً مهماً في الارتفاع الطفيف الذي شهدته أعداد الطلاب الأجانب القادمين إلى أميركا مؤخراً في العام الدراسي لعام 2005- 2006. لكن وبالنظر إلى سوق التعليم العالمي الخاص بالطلاب الأجانب، فإن الجامعات والكليات الأميركية، تواجه اليوم منافسة حادة من قبل جامعات دول أخرى، لاسيما الجامعات والكليات الأسترالية والبريطانية واليابانية. وعلى حد قول فيكتور جونسون مدير السياسات العامة لجمعية التربويين الدوليين بواشنطن، فقد تغير العالم الآن، وازدادت فيه المنافسة في المجال التعليمي، إلى حد لابد من الاعتراف فيه بأن نصيب أميركا من أسهم هذا السوق قد تضاءل كثيراً. والواقع أن حدة التنافس العالمي هذه، هي التي دفعت "مارجريت سبيلنجز" وزيرة التعليم العالي، إلى القيام بجولة مكوكية هي الأولى من نوعها، تزور خلالها هذا الأسبوع، كلاً من الصين وكوريا الجنوبية واليابان، برفقة عدد من رؤساء ومديري الجامعات والكليات الأميركية، في مسعى منها للترويج لمزايا التعليم العالي في بلادنا. أما من الناحية الاقتصادية، فإن أحد أهم الدوافع وراء السعي لاجتذاب المزيد من الطلاب الأجانب إلى جامعاتنا، هو تأثيرهم الواضح على اقتصادنا القومي. فقد ضخ هؤلاء نحواً من 13.5 مليار دولار إلى خزانتنا العامة في العام الماضي وحده، وفقاً لإحصاءات "معهد التعليم العالمي" الذي أشارت مسوحاته السنوية الصادرة هذا الأسبوع، إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الطلاب الأجانب القادمين إلى أميركا. أما من وجهة نظر وزارة التجارة الأميركية، فإن مثل هذه الإحصاءات هي التي تضع التعليم العالي، في المركز الخامس بين أعلى القطاعات الخدمية الصادرة. إلى ذلك يرى المسؤولون كذلك، أن الصالح القومي العام، الذي تحققه أميركا من استقدامها للمزيد من الطلاب الأجانب إلى كلياتها وجامعاتها، لا يقتصر على الأموال الهائلة التي يضخها هؤلاء للخزينة العامة الأميركية، وإنما يمتد ليطال المكاسب المتحققة من علاقات التبادل بين الأميركيين وشعوب البلدان الأخرى. ذلك هو ما عبر عنه "بول هايمسترا"، مدير برامج التعليم الدولية بوزارة الخارجية الأميركية. ويمضي "هايمسترا" إلى القول إن من شأن هذه العلاقات المباشرة مع الأمم والشعوب، أن تهزم الصور النمطية الجاهزة عن الآخر، وأن تزيل سوء الفهم المتبادل بيننا والآخرين. وامتداداً للجهود التي تبذلها أميركا بغية تحسين صورتها في العالم الخارجي، تولي الآن وزارة الخارجية اهتماماً خاصاً بعلاقات التبادل الدولي في كلا الاتجاهين، تحت رعاية "كارين هيوز" مسؤولة الدبلوماسية العامة في إدارة الرئيس بوش. وأوضح "هايمسترا" أن تلك الجهود تتضمن تذليل إجراءات الحصول على التأشيرات الطلابية، وتوفير المزيد من المعلومات عن الجامعات والكليات الأميركية للطلاب المحتملين، فضلاً عن تنشيط وتوطيد العلاقات بين مؤسسات التعليم الأميركية وحكومات الدول الأجنبية. وما يفسر هذه الجهود، اتساع الإدراك العام لحقيقة أن قدوم العولمة قد أحدث تغييراً جوهرياً ثابتاً على التعليم العالي، من وجهة نظر الخبراء. وعلى حد قول "ألان جودمان"، رئيس "معهد التعليم العالمي" فإن ما يفهم من كلمة تعليم اليوم، هو انتفاء صفة التعليم نفسها، ما لم يتمتع الإنسان ببعد عالمي. هوارد لافرانشي ــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب صحفي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"