كما كان متوقعاً من قبل فإن الموضوع الماثل في إقليم دارفور منذ ثلاث سنوات، كان لابد أن يرمي بظلاله على أكثر من بلد أفريقي واحد في منطقة وسط أفريقيا الغربي، بل إن تلك الظلال قد تمتد فتشمل بلداناً أخرى في قلب أفريقيا؛ مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وباقي منطقة البحيرات العظمى، وهي في أغلبها غير مستقرة. بدأت تلك الظلال بجمهورية تشاد المجاورة لدارفور، وانتقلت الآن إلى جمهورية أفريقيا الوسطى على الحدود الجنوبية الغربية لدارفور. وتعاني أفريقيا الوسطى حالياً ما تعاني منه تشاد من اضطرابات دامية، تقول القيادة في البلدين إن للسودان ضلعاً فيها، وإن ما يحدث في دارفور كان من الأسباب المباشرة لنشر الفوضى المسلحة في هاتين الدولتين. ولما كانت الدولتان حليفتين لفرنسا، ولما كانت لفرنسا قوات داخل هذين البلدين، فقد نشطت الدبلوماسية الفرنسية في الاهتمام بما يجري في دارفور، وبدأ وزير خارجيتها زيارة للخرطوم، حيث طالب بنشر قوات دولية على حدود السودان مع حليفتي باريس. إن مطلب فرنسا لا يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 1706 الذي يتحدث عن نشر قوات دولية في دارفور، وهو ما ترفضه حكومة السودان، بل يعزز ذلك القرار بحماية حدود دارفور مع الجمهوريتين المجاورتين، وهو أمر لا يمكن تطبيقه عملياً دون أن يكون للقوات الدولية وجود في دارفور ذاتها. وجنباً إلى جنب مع المجهود الفرنسي فإن حراكاً جديداً يتم الآن في العاصمة الأثيوبية حيث دعا الاتحاد الأفريقي مجلس الأمن لعقد مؤتمر هناك بحضور السودان والهدف مرة أخرى هو بحثه وسائل تنفيذ القرار 1706. وقد أعلن رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، وهو ممثل البيرو، أن الهدف من اللقاء الذي يتم في أديس أبابا ويرأس وفد مجلس الأمن فيه مندوب المملكة المتحدة في المجلس، هو إجراء محادثات بناءة تؤدي إلى تنفيذ القرار الأممي المشار إليه. وفي هذا المناخ، أعطت واشنطن إشارات على أنها جاهزة لإبداء شيء من المرونة بشأن قضية نشر القوات الدولية في دارفور، وذلك يعني أساساً إضفاء نوع من الشكليات مثل ألا يضع الجنود على رؤوسهم قبعات بلون قبعات الأمم المتحدة، وأن يكون اختيار قوات دولية تذهب للسودان من بلدان صديقة لحكومته أو بلدان إسلامية أو ما إلى ذلك مما لن يغير من المضمون. قصارى قولنا إن دارفور تظل نقطة الخلاف بين حكومة السودان وما يسمى المجتمع الدولي، ثم إن الخطر يمتد وينتشر إلى بلدين مجاورين مع احتمالات اتساعه ليشمل بلداناً أفريقية أخرى. وهناك في هذه البلدان حقيقتان تتحكمان في الواقع؛ أولاهما وجود واقع جاهز ومعد للانفلات العسكري، وثانيتهما أن تلك الأقطار هي مناطق منافسة واضحة على النفوذ بين أكثر من دولة كبرى، وبالتالي فإن أفريقيا ستشهد امتداداً لحروب مدمرة بدأت شرارتها من دارفور، وهذا كله ما ينبغي أن يكون في مخيلة الجميع!