تتواصل الجهود الحثيثة في دولة الإمارات العربية المتحدة، لإدخال نمط من المشاركة السياسية إلى البلاد، من خلال انتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي. ولاشك أن تجربة المشاركة السياسية في دول العالم النامي لا زالت تثير نقاشاً حاداً خاصة في الجانب المتعلق بالعلاقة بين المشاركة السياسية والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. العلاقة المشار إليها مهمة ومعقدة وخلافية، ولها دائماً أبعاد عميقة لا تقل عنها أهمية وتعقيداً، لذلك فإنه تتم مناقشتها إما بشكل مباشر أو غير مباشر من كلا الجانبين: المؤيد والمعارض في معظم البلاد المعنية، والإمارات لا تشذ حتماً عن ذلك. ومن خلال متابعة العديد مما نشر حول الموضوع، يستخلص المرء أن المعارضين لإدخال النمط المصمم للإمارات، يقولون إن الطريقة المزمع إدخالها تفتقد إلى المشاركة الجماهيرية الفعالة في اختيار أعضاء المجلس المنتخبين، واختيار أنماط السياسات التنموية الوطنية والتخطيط لها وتنفيذها، الأمر الذي قد يؤدي مستقبلاً إلى عدم وجود روابط قوية بين النخبة التشريعية المنتخبة وباقي أفراد الشعب على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وعلى الجانب الآخر، يقف المؤيدون للطريقة التي اقترحتها الدولة وماضية في تنفيذها، من خلال وزارة شؤون المجلس الوطني، لكي يقولوا إن هذه الطريقة المتدرجة في إدخال التجربة، هي الوسيلة المثلى التي يمكن لها أن تقف في وجه ما يمكن أن يطرأ من إرهاصات كامنة وتداعيات سلبية لما يمكن أن يتسبب فيه إدخال تجربة سياسية غير منضبطة إلى عمليات صنع القرار السياسي في البلاد. واقع الحال في وطننا الغالي، يشير إلى الحاجة إلى إدخال شيء من المشاركة السياسية إلى النظام السياسي لكي تقويه وتدعمه في العديد من المواقف على الصعيدين الداخلي والخارجي في مواجهة قضايا مصيرية تهم الوطن بكافة تفرعاته والمواطنين بكافة ارتباطاتهم وانتماءاتهم، لذلك فإنه في الوقت الذي نعلم فيه أن التجربة محدودة مرحلياً، إلا أنه لابد من استيعاب أن هذا النمط من إدخال المشاركة السياسية، خلقته ضرورات مرحلية لها علاقة مباشرة بخصوصيات الإمارات وتميزها عن العديد من دول العالم الأخرى، أهمها اعتبارات تتعلق بالاستقرار الوطني والاستمرارية. بهذا الصدد تنظر الدولة إلى دورها في العملية السياسية، على أنه يقوم على تقوية الوفاق الوطني القائم والدفع به إلى الأمام، ومعبراً عنه في الاستقرار في علاقات الإمارات بمحيطها الخارجي، وفي التنمية الاقتصادية والوحدة والتعاون بين كافة العناصر المكونة للوطن من نُخبٍ وعامة، وذلك في إطار وطني صلب يحقق مصالح كافة الأطراف، وبالإضافة إلى ذلك تشعر الدولة أن البلاد تستطيع فقط تحقيق تلك الأهداف في بيئة سياسية تتصف بالاستقرار والاستمرارية، لذلك فإن المشاركة السياسية الكاملة من قبل المواطنين ينظر إليها على أنها أمر ممكن تحقيقه بهدوء وروية على مدى زمني أطول، عوضاً عن القفز إليه دفعة واحدة، ربما تنعكس نتائجها بشكل سلبي على القضايا الأساسية المتعلقة بالاستقرار والاستمرارية على الصعيد الداخلي. وتنطلق نظرة كهذه من القناعة بأن الفاصل بين الممارسات السياسية الشعبية السليمة والفوضى، هو خيط رفيع جداً، المحافظة على عدم انقطاعه تحتاج إلى موازنة دقيقة، ربما يكون شعب الإمارات ليس جاهزاً لها بشكل كامل. انقطاع خيط واهن بهذا الشكل له تداعياته الخطيرة المضرة بالاستقرار، بالإضافة إلى ما يمكن أن يستهلكه من طاقات وطنية تهدر، وموارد مادية يتوجه استخدامها من مساره الطبيعي إلى مسارات أخرى تؤثر على البناء والتوافق الوطني. مجمل القول، هو إننا كمواطنين، في هذه المراحل الأولى من إدخال التجربة، على الأقل، علينا أن ننتظر بفارغ الصبر، وأن نتطلع إلى المستقبل على أنه واعد ومشرق، وأن الدولة ستتخذ قراراتها المستقبلية على أساس من توسعة نطاق تجربة المشاركة السياسية الفعالة. والواقع هو أن الدولة آخذة في الإفصاح بشكل متكرر بأن التجربة الجديدة ستتم توسعتها بثبات وإن كان ثباتاً متدرجاً يتماشى مع نضج الممارسة التي يبديها المواطنون، وإن كان من غير الممكن وضع إطار أو سقف زمني محدد لتحقيق هذا النضج، إلا أن ذلك سيتم قياسه والأخذ به من واقع الممارسة العملية والفعلية للتجربة، ليتم من بعدها تحديد سقف زمني واضح لتوسعتها. ومن تجارب الواقع العملية التي مرت بها شعوب أخرى، خاصة في العالم العربي، ودفعت أثماناً باهظة نتيجة للقفز غير المدروس نحو إدخال تجارب المشاركة السياسية الغربية إلى شعوبها، فإن المرء يستطيع أن يقترح بأن تتم توسعة التجربة عندما نصبح متأكدين كوطن، من قدرتنا على القيام بذلك دون أن يتأثر الاستقرار الوطني، أي بعد أن يتم تأسيس معطيات مسبقة مهمة ترسخ التجربة وتعمقها وتحفظ للوطن استقراره واستمراريته. ومن ناحية واقعية لا يمكن تأسيس المعطيات التي نشير إليها بشكل أتوماتيكي مع مرور الزمن، لذلك فإن ما نقترحه هو أن تحاول الدولة، الموازنة الدقيقة بين مدخلات تقديم التجربة ومخرجاتها لكي تستطيع السيطرة على وضع هادئ يستمر ما استمر الزمن.